هل يحسم المتدينون الحريديم مصير الحرب؟

تقديم: أعلن حزبا اليهود المتدينين “الحريديم” تأييد “اية صفقة تؤدي إلى إعادة المحتجزين”. وبذلك بات واضحا وجود اغلبية في الحكومة لصالح الصفقة وكذلك الامر في الكنيست وفي الرأي العام الاسرائيلي. هناك تقديرات بأن موقف كل من حزب “شاس” لليهود المتدينين من أصول شرقية وحصريا مغاربية، وحزب “يهدوت هتوراه” للمتدينين من أصول غربية (اشكنازية)، قد تم بقناعة داخلية لدى رؤساء الحزبين بالإضافة الى دفع من نتنياهو والادارة الامريكية. كما تعرض قادة الحزبين الى حملة مركزة من عائلات المحتجزين والاسرى والتي طالبتهم بالانصياع الى التعاليم الدينية بصدد “فداء الاسرى”.
– شكل قرار الحزبين اللذين يحظيان معا بثمانية عشرة مقعدا في الكنيست، حسما للموقف، ووزنا مضادا لحزبي الصهيونية الدينية (7 اعضاء كنيست) والقوة اليهودية (6 اعضاء) ، دعما نوعيا للموقف الأمريكي الذي لم يكتف الرئيس بايدن بخطابه بل يتبعه بخطة عمل وآليات ضغط مكثفة على حكومة نتنياهو وعلى حماس من خلال الوسطاء وحصريا قطر. اذ ان زيارة المسؤولين رفيعي المستوى، رئيس السي اي ايه ومستشار شؤون الشرق الاوسط في البيت الأبيض، هو مسعى لتكثيف الجهود التي قد تكون الفرصة الاخيرة امام ادارة بايدن للتوصل الى صفقة والى وقف الحرب التي استنفذت ذاتها وفقا لإدارة بايدن ولم يعد ممكنا لإسرائيل تحقيق أهدافها المعلنة بالوسائل العسكرية.
– يسعى نتنياهو كما في السابق الى ترضية حليفيه، بمنح سموتريتش صلاحيات إضافية في الضفة الغربية والضم والاستيطان والتهجير، وبن غفير بإطلاق يديه في القدس والسجون ومناطق فلسطينيي48.
– تشير معظم التقديرات إلى أن المغالاة الاعلامية في الصراعات التي تتهدد حكومة نتنياهو ما هي إلا لعبة سياسية، إذ من المستبعد تماما ان تقوم الصهيونية الدينية بإسقاط حكومة هي المتحكمة فيها وتشكل العصر الذهبي لهذا التيار، المتمحور اساسا في مصير الضفة والقدس وفي تقويض السلطة الفلسطينية سعيا لتقويض إمكانية قيام دولة مستقلة ذات سيادة.
– رغم اجتماع أقطاب المعارضة للتوافق على خطة عمل لإسقاط حكومة نتنياهو ودعوة غانتس للانسحاب من كابنيت الحرب، حتى قبل انتهاء المهلة التي منحها لنتنياهو وهي الثامن من حزيران/يونيو الجاري، إلا أن خطاب بايدن كما يبدو لن يمنح غانتس فرصة تنفيذ تهديده، ومعظم المؤشرات تؤكد انه لن ينسحب حاليا، وذلك نظرا للتصعيد الخطير على الجبهة الشمالية، ونظرا للتحول في الحكومة والناتج عن موقف الحزبين الدينيين الحريديين، إذ لم يعد موقف كابنيت الحرب الذي فيه اغلبية للصفقة يتنافى مع موقف الاغلبية في الحكومة.
– في هذه الاثناء هناك تحسن في وضعية نتنياهو وكتلة اليمين وفقا لمعظم الاستطلاعات ولديه كتلة تمنع حكومة بديلة إلا إذا حصل أحد تحولين؛ إما قيام اصطفاف يميني عقائدي مناهض لنتنياهو ولتحالفه مع بين غفير وسموتريتش؛ وإما تحول في اصطفافات الاحزاب الدينية او أحدها لصالح حكومة بديلة.
– يلعب الجيش دورا قد يكون حاسما في الجبهتين، ففي قطاع غزة يعتبر الجيش بأنه قد انهى معظم مهامه الحربية وباتت سيطرة اسرائيل عملياتيا على كل قطاع غزة، بينما أقام بنية من القواعد المتقدمة والمنطقة العازلة وممر “نيتسريم” والتي تتيح لقوات مقلصة نسبيا التحرك السريع في اي موقع من القطاع المحتل. كما وفر الجيش للحكومة امكانية الصفقة والتي تدعمها المؤسسة الامنية وذلك نظرا للقدرة على القيام بعمل عسكري متى تطلب الأمر.
– يدرك الجيش ان وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يجعل الجبهة الشمالية مع لبنان تهدأ، الا انه يدفع الحكومة الى اتخاذ قرار بالتصعيد النوعي على هذه الجبهة، وقد أنهى استعداداته وتدريباته التي تخص هذه الجبهة كما قرر استدعاء خمسين ألف جندي احتياط للخدمة ليضافوا إلى 300 ألف من جنود الاحتياط الذين يخدمون حاليا ويستعدون للحرب في الشمال. وفقا للتقديرات الإسرائيلية فإن حربا مفتوحة مع حزب الله قد تتدحرج الى حرب إقليمية، وجاءت وفقا للإعلام المحلي تدريبات سلاح الجو الاسرائيلي في سماء اليونان على التحليق طويل الأمد والتزود بالوقود بالجو إنما لخدمة حرب اقليمية وليس للجبهة الشمالية.
– رغم الحديث عن استعدادات عسكرية لتسديد ضربة حربية ساحقة وفقا لقائد الأركان، إلا أن الصراعات السياسية وبين المنظومات وصلت الى هيئة الأركان والصراعات الحادة التي بدأت ترشح، بين قائد الأركان وقائد الفيلق الشمالي الذي طالب قائد الاركان بالاستقالة وليس بتنحيه هو من منصبه، وتتعالى المطالب في الجيش باستقالة هليفي باعتباره مخفقا سواء في السابع من أكتوبر وفي إدارة الحرب، ليضاف ذلك إلى الحملة المتواصلة من قبل حزبي الصهيونية الدينية باستقالة رئيس الأركان وإجراء تغييرات عميقة في هوية الجيش نحو إعلاء شأن الضباط من تيار الصهيونية الدينية وتحويله الى جيش عقائدي يعمل بروح هذا التيار الذي يزداد وزنه داخل الجيش.
– في المقابل تعارض ادارة بايدن التصعيد الحربي وتحويل الجبهة الشمالية مع لبنان الى حرب شاملة، وقد حدد بايدن في خطابه حول الصفقة، معارضته للتصعيد الحربي مؤكدا ان تهدئة هذه الجبهة منوطة بالتهدئة في غزة وأن الحل الممكن هو دبلوماسي وليس حربيا. يأتي هذا الموقف قلقا على إسرائيل وتخوفا من تورطها في حرب لا سيطرة على مجرياتها ولا ضمان لنتائجها، كما انها تعبر عن أولويات امريكية سواء ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية او نظرا لأولوية الحرب في أوكرانيا والقلق من خسارة هذه الحرب ذات الاثر الكبير اوروبيا وعالميا وعلى النفوذ الامريكي.
– يبدو من تصريحات نتنياهو خلال زيارته للجبهة الشمالية انه لا يزال يتحفظ من اتخاذ قرار بشن حرب شاملة، وذلك على الرغم من اعتبارها غير متكافئة لصالح تفوق عسكري اسرائيلي، فقد أكد نتنياهو أن “الأرض اشتعلت في شمال إسرائيل بينما اشتعلت ايضا في لبنان”، ولافتا الى أن الجيش على أهبة الاستعداد لتسديد ضربة هائلة. بالاضافة، أكدت مصادر في كابنيت الحرب على ان المجتمع الاسرائيلي لا يدرك معنى التحول الى حرب شاملة، وأثر ذلك على العمق الاسرائيلي السكاني والاستراتيجي والصناعي، ناهيك عن حركة النزوح المتسعة في الشمال نحو مركز البلاد، وقرار الكثير من النازحين من البلدات الاسرائيلية بعدم العودة إلى السكنى فيها.
الخلاصة:
• لا معارضة للصفقة المطروحة في الحكومة إلا إذا أرادها نتنياهو بصوتي كل من بن غفير وسموتريتش. بل هناك أغلبية كبيرة لصالحها في الحكومة والكنيست والرأي العام.
• إمكانيات تهرب نتنياهو من الصفقة ضئيلة وهو يبني أمله على رفضها من قبل حماس، أو في حال اشتعال الجبهة الشمالية.
• تراوح السياسة الاسرائيلية بين جبهتين؛ في غزة هناك اغلبية واضحة لصالح الصفقة والتهدئة، وفي الشمال مع لبنان يبقى التهديد بالتصعيد الحربي هو سيد الموقف مدعوما بموقف الجيش.
• لغاية الان لا يزال كل من اسرائيل وحزب الله معني بالحفاظ على حالة الضبط وعدم التحول