إسرائيل ككارثة طبيعية وأمريكا كتابوت مفتوح وهآرتس كصحيفة لاساميَّة


  • الجمعة 28 مايو ,2021
إسرائيل ككارثة طبيعية وأمريكا كتابوت مفتوح وهآرتس كصحيفة لاساميَّة
قبل أسبوع، نشرت "هآرتس" مقالاً افتتاحياً (بالإنجليزية) لعضو لجنة مركزية في حركة فتح، بعنوان: "لسنا أبناء إله أقل"، ونشرت اليوم ريبورتاجاً (بالعبرية)، بعنوان: "67 طفلاً قتلوا في غزة. هذا هو ثمن الحرب" منقولاً عن جريدة نيويورك تايمز، وعنوانه: "كانوا مجرد أطفال"، أعدَّه كل من: منى النجار وآدم راسغون ومنى بشناق، وتم "الحصول على المعلومات من الأهل، ومنظمات حقوقية، وجهات فلسطينية، ووسائل التواصل الاجتماعي". وبمناسبة احتفاء هآرتس ونيويورك تايمز بأبناء الإله الأقل من الفلسطينيين، واحتفاء الفلسطينيين بريبورتاج هآرتس الذي لم تقرأه الغالبية العظمى على ما يبدو، هذه بعض الملاحظات: أولاً: القاعدة العامة التي أسس لها بن غوريون، بعد مجازر عصاباته ودولته التي لا تنتهي، هي: "إن وجود إسرائيل أهم من صورتها." ولكن ذلك لا يمنع إسرائيل من محاولة تبييض صورتها دون أن تخل بالتوازن المطلوب بين ضخ: "المعلومات" لجبهتها الداخلية، و"الهسباراه" للعالم الخارجي، وسموم "الحرب النفسية" للعدو الذي في المنتصف. ثانياً: تاريخ الرقابة على النشر، ابتداء من مرسوم المطبوعات الصهيوني، ومروراً بلجنة المراقبين (الحدثين المؤسسين للرقابة الصهيونية حتى قبل قيام الدولة بعقد ونصف)، وانتهاء بالرقابة العسكرية الصارمة على الإعلام... تستدعي تفسيراً لإقدام هآرتس على نشر ترجمة ريبورتاج نيويورك تايمز، ولقراءته بحدقات متسعة. ثالثاً: لا مجال لمقارنات الألم والمظلوميات الكبرى. لكن السماح بنشر ريبوتاج نيويورك تايمز لصور أطفال غزة وقصصهم، يستدعي على الفور مأساة "إيميت تل"، الفتى الأسود من شيكاغو الذي قتله العنصريون البيض في الميسيسبي في العام 1955، ومثلوا به، وأصرت والدته على إبقاء تابوته مفتوحاً ليرى الناس وجهه، ولتنشر الصحف قصة التابوت والجنازة والطفل. رابعاً: بجرعة أقل رهافة، وأكثر دهاء من تنظيرات رولان بارت في أسطوريَّاته حول المشترك الآدمي في "عائلة الإنسان الكبرى"، تحاول نيويورك تايمز، ومن بعدها هآرتس، عبر هذا النشر، أنسنة الأطفال الفلسطينيين مقابل تطبيع فعل القتل خلال الحرب، وذلك بإخفاء المظلومية التاريخية لهؤلاء الأطفال، وجعل غيابهم عن الحياة في غزة بداية حياتهم الفعلية على صفحات نيويورك تايمز وهآرتس، وذلك من خلال قصتهم المبتورة. وذلك على النحو التالي:
  1. لا يشتمل الريبورتاج على أية خلفية للصراع الفلسطيني الصهيوني أبداً، ولا لحصار غزة، ولا لحروب إسرائيل عليها وعلى عموم فلسطين، إلا كما يمكن الفهم من السياق العام، بأن تصاعد العنف أدَّى إلى الحرب، والعمليات الحربية أدَّت إلى "مقتل" الأطفال، أي تصوير الحرب بوصفها "كارثة طبيعية"، وليست قراراً سياسياً من قبل دولة استعمار استيطاني ضد شعب مستعمَر في أكبر سجن في التاريخ؛

  2. لا يوجد موقف أخلاقي من فعل الحرب كفعل وحشي، بل ثمة مسعى ضمني يوازي أخلاقياً بين الدولة الاستعمارية والشعب المستعمَر والمحاصَر في غزة، بمعنى أنه في الحرب shit happens، على رأي بيني موريس، وأنه: "اللي بِدُّه يعمل عِجَّة، بِدُّهُ يْكَسِّر بيض!" ويُلمس ذلك من خلال ذكر الظروف المعيشية الصعبة للأطفال الغزيين دون ذكر علَّتها الأولى، من نكبة مستمرة، وحصار لقطاع غزة، وعدوان متكرر عليه بالحرب التي تترك الأطفال وعائلاتهم في "قلق استباحة" دائم؛

  3. استناداً إلى ذلك، وأخذاً بعين الاعتبار الموقف الأمريكي الرسمي بدعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتوقيع صفقة أسلحة معها خلال الحرب، يُفتتح الريبورتاج بعبارات يُفهم منها تحميل مسؤولية الضحايا لله، وذلك من خلال تكرار عبارة: "هذه إرادة الله" على لسان من تبقى من أقارب الضحايا. وبالتالي، فإن ما حدث ليس جريمة حرب، بل نتيجة لكارثة طبيعة أرادها الله، و"إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون"؛

  4. هناك محاولة للموازاة بين "طرفين"، ولوم الضحايا من "الطرف" الأضعف. إذ "الطرف" الأقوى الآخر يملك ترسانة عسكرية أقوى، وملاجئ لحماية المدنيين من مواطنيه (ومن ضمنهم الأطفال)، فيما "الطرف" الأضعف، والمسؤول كما يبدو عن ضحايا غزة (وهو الله وأبناؤه الأقل، أي مقاومة غزة) قصَّر في حماية مدنييه (ومن ضمنهم الأطفال). ويذكر أن الناطقين العسكريين الصهاينة رددوا دائماً لازمة فاشية، مفادها: "إسرائيل تحمي المدنيين بالصواريخ، وغزة تحمي الصواريخ بالمدنيين" في محاولة للوم الضحايا كون مقاومتهم استخدمتهم كدروع بشرية، ولم تبنِ لهم ملاجئ في المخيمات.

أخيراً، سبق وأن اتهم زبون هآرتس ونيويورك تايمز الأشهر، إيلي فايزل، الكاميرا حين تركِّز على الضحايا الفلسطينيين، بأنها تمارس لاساميَّة من نوع ما. حينها، رد عليه محمود درويش وإدوارد سعيد ورشيد الخالدي، أن ذلك استمرار بالدفاع عن قداسة الجلاد الصهيوني، وتأبيد للضحية اليهودية، وايقاظ لـ "لاسامية معكوسة" من خلال فهم التاريخ الإنساني بأنه تاريخ عدائي لليهود. لو كان فايزل حيًّا لاتهم نيويورك تايمز وهآرتس باللاسامية، ونشر إعلاناً مدفوعاً، يفنِّد فيه الريبورتاج-القنبلة.

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر