دعم (راس-جرابا) بين المنشود والمفقود

مقالات


  • السبت 19 أغسطس ,2023
دعم (راس-جرابا) بين المنشود والمفقود
راس جرابة

(راس-جرابا) هي بلدة منزوعة الاعتراف في النقب قبل نكبة فلسطين، وهي من ضمن عشرات البلدات منزوعة الاعتراف المنتشرة في رحاب النقب، ويبلغ عدد سكانها دون الألف، ولا تزال صابرة على شظف عيشها حيث لا ماء فيها ولا كهرباء ولا شوارع ولا نواة لمدرسة أو عيادة، ولا يزال أهلها يدخلون إليها ويغادرونها هم وضيوفهم بشق الأنفس، ويوم أن قامت بلدة (ديمونا) العبرية على حدود بلدة راس- جرابا فقد قامت عام 1952، وكانت بلدة رأس-جرابا قد أنجبت قوافل الأجيال أحفادا وآباء وأجدادا وأجداد أجداد، فهي بالأصل وليست هي الطارئة، وهي ملح الأرض وليست زوبعة سفت من ترابها، وهي الجذور  وليست فسيلة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، ومع ذلك بات المطلوب اليوم وفق حسابات المؤسسة الإسرائيلية الرسمية اقتلاع بلدة راس-جرابا وترحيل أهلها بادّعاء وجود مخطط لتوسيع مساحة نفوذ بلدة ديمونا العبرية، وإن من شأن هذا المخطط أنه سيبتلع كل راس-جرابا وكأنها قامت البارحة واعتدت على غيرها ونمت على حسابه مع أن العكس هو الصحيح، ومع ذلك أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية قرارا قضائيا يوافق هوى المؤسسة الإسرائيلية ويحكم بعدم الإبقاء على بلدة راس-جرابا، وهكذا انقلبت الموازين وبات الأصل هو الطارئ والطارئ هو الأصل، وهكذا تبدلت القيم وبات المعتدي هو المظلوم والمعتدى عليه هو الظالم، وهكذا بات لسان حال كل كبير وصغير وكل رجل وامرأة في بلدة راس-جرابا يقول: أصبحت غريبا في النقب عن النقب وشريدا في ثراه عن ثراه ومطاردا في صحرائه عن صحرائه ومهددا بالترحيل فيه عنه.

وعلى هذه الخلفية المأساوية أقيم اجتماع في (شِق الضيافة) في بلدة (راس-جرابا) يوم السبت الماضي الموافق 12/8/2023، وهو الاجتماع الذي دعا إليه أهلنا في هذه البلدة إلى جانب لجنة التوجيه المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا وإلى جانب المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، وقد حضر هذا الاجتماع مائة في أحسن الأحوال، وحول هذا الاجتماع أسجّل هذه الملاحظات لعلها تجد أذنا واعية وقلبا سليما.

1- كنت أتمنى أن يحضر هذا الاجتماع من اكتووا بنار هدم بيوتهم ومصادرة أرضهم في النقب أو من كانوا ولا يزالون يكتوون بنار تهددهم بالرحيل عن أرضهم وبيوتهم كما هو عليه الحال في أم- الحيران والعراقيب وأرض الأطرش، ولو حضروا لكانوا بالآلاف، ولو حضر بعضهم لكانوا بالمئات، ولكن حضر العشرات منهم وذلك لا يكفي!! وهل هناك من يحس بوجع هدم البيوت ومصادرة الأراضي إلا من هدمت المؤسسة الإسرائيلية الرسمية بيته وصادرت أرضه أو رَحّلته عن جذور بلدته، فكان المطموع به من هؤلاء الآلاف أن يحسوا بوجع أهلنا في بلدة راس-جرابا الذين باتوا مهددين بالترحيل!! ولكن ذلك لم يحدث مع شديد الأسف، وظلَّت بعض كراسي الاجتماع فارغة لم تجد من يجلس عليها!! وعليه فإنّ أخشى ما أخشاه أن تترك بلدة راس-جرابا لوحدها، كما تركت لوحدها من قبل بلدة العراقيب وبلدة أم-الحيران وغيرهما، وفي ذلك الخسران المبين وعدم الصدق مع أنفسنا ومع بلدة راس-جرابا.

2- كنت أتمنى حضور كل رؤساء السلطات المحلية العربية في النقب، إلا أن الوحيد الذي حضر من بينهم هو رئيس مجلس محلي حورة الشيخ حابس العطاونة، علما أن قضية هدم البيوت ومصادرة الأرض هي قضية حارقة وملتهبة في كل سلطة محلية عربية في النقب، وهي همُّ وقع على الجميع، وهي التي فرضت الضغط والتضييق على كل منهم يوميا، حتى باتت في سلم عمل أولويات الجميع، فيا ليتهم لو حضروا، وأكدوا صدق مقولة الشيخ جمال الدين الأفغاني: (بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المتفرقة)، وبذلك يجعلون من همّ هدم البيوت ومصادرة الأرض هما واحدا في النقب، فكأن من هدموا بيته كأنهم قد هدموا كل بيوت الأهل في النقب، وكأن من صادروا أرضه قد صادروا كل بيوت الأهل في النقب، وهكذا تذوب الهموم المتفرقة، وهكذا تجتمع وتتلاحم في موقف واحد وصوت واحد وصف واحد وجهد واحد وطموح واحد، وهكذا يتحول التشرذم الى وحدة، وتتحول القطع المفككة إلى بنيان مرصوص، وتتحول البلادة الى همّة، وهكذا إن تحركت بلدة راس-جرابا أو بلدة العراقيب أو بلدة أم- الحيران سيتحرك كل النقب.

3- هل هناك أعدل من قضية إصرار الإنسان للبقاء في أرضه، وتمسكه للسكن في بيته، وتشبثه للتواصل مع جذوره في هذه الأرض وهذا البيت تاريخا وحاضرا ومستقبلا، وهذا يعني أن قضية بلدة راس- جرابا هي قضية عادلة في ميزان كل إنسان سوي في هذه الأرض، وما من إنسان وضع عقله قبل رأيه وليس العكس وسمع عن هذه القضية إلا وسينتصر لها بقوله أو بقلمه أو بموقفه الذي يتمتع به بحكم دوره ومنصبه في أية بقعة من الأرض، ولذلك فإن المطلوب هو تدويل قضية راس- جرابا وتحويلها إلى اسم عالمي يحكي قصة الصمود في وجه الاقتلاع، لا سيما وقد لفت انتباهي حضور عدد لا بأس به من وسائل إعلام محلية وعالمية حضرت هذا الاجتماع، وهي فرصة متاحة لدعوة وسائل إعلام أخرى خلال الأيام القادمة إلى بلدة رأس-جرابا واطلاعهم على الخارطة التي عرضها د. منصور النصاصرة في هذا الاجتماع، والتي حصل عليها من الأرشيف البريطاني، والتي تؤكد وجود أرض تضم أهلا اسمها راس-جرابا ما قبل نكبة فلسطين وما قبل دبيب المشروع الصهيوني في أرض النقب وسائر الأرض المباركة. ثم لنسأل أهل الأرض بعد ذلك: هل يملك أي مهندس أو أية لجنة تنظيم هندسية شطب هذا الحق في وجود راس-جرابا واستمرار حقها في الوجود بادّعاء توسيع مساحة نفوذ بلدة اسمها ديمونا قامت البارحة قياسا إلى تاريخ راس-جرابا!! وليتحول اسم راس-جرابا إلى ماركة عالمية يعني الصمود، ويعني الثبات ويعني الحرية والكرامة والعدالة.

4- لقد حضر في هذا الاجتماع من الجليل والمثلث وسائر المدن الساحلية عدد دون عدد أصابع اليدين، وأنا أدرك سلفا أن البعض غاب لعذر، أو أنه غاب لأنه لم يعلم عن هذا الاجتماع الذي أُقيم ليحذر من خطر ترحيل يعيد إلى الذاكرة مشهد الترحيل في نكبة فلسطين، ولكن هل كان الكل معذورا أو لم يعلم عن هذا الاجتماع عندما غاب؟! أتمنى أن لا نصل إلى مرحلة عرجاء معوجة يقال فيها: ليحمل أهل النقب همومهم وحدهم، وليحمل أهل المثلث معاناتهم وحدهم، وليحمل أهل الجليل مصائبهم وحدهم، وليحمل أهل المدن الساحلية مصاعبهم وحدهم، لأن في ذلك الخسران المبين.

5- تحدث الكثير في هذا الاجتماع إسنادا لبلدة راس-جرابا واقترحوا عشرات الاقتراحات، وفي المجمل كانت اقتراحات هامة، وحتى لا تضيع، ولا ينتهي أثر تلك الاقتراحات وكأنها ما قيلت: فأتمنى إقامة لجنة مكونة من أهلنا في بلدة راس-جربا ومن لجنة التوجيه ذراع لجنة المتابعة في النقب ومن المجلس الإقليمي للقرى منزوعة الاعتراف في النقب، وأتمنى أن تقوم هذه اللجنة بجدولة هذه الاقتراحات ثمَّ العمل على تنفيذها كي لا تبقى بلدة راس-جرابا لوحدها.

. . .
رابط مختصر


رائد صلاح

ناشط وقيادي سياسي في أراضي48 


اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر