نهب رسمي لميزانيات البلديات العربية والمقدسيين
تقديم :

تقديم :
يتمتع وزير المالية والوزير في وزارة الأمن الإسرائيلية بصلاحيات لا يتمتع بها اي من زملائه، بل هو الوزير الاكثر قوة تأثير داخل الحكومة والأكثر سطوة على رئيسها نتنياهو. يسيطر سموتريتش على كل مفاتيح التحكم بالفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو القدس أو الداخل الفلسطيني.
الميزانيات التي قرر سموتريتش تغيير وجهتها كانت مخصصة للسلطات البلدية العربية وهي تقع ضمن مخطط حكومي شكل انجازا برلمانيا وسياسية وبلديا لفلسطينيي الداخل، بحيث تخصص الحكومة سنويا مبلغا مضاهيا لعدة سنوات خلت، في إطار ما هو مخصص لسد الفجوة بين السلطات البلدية العربية واليهودية، والتي أفرزها التمييز العنصري البنيوي على مدار سبعة عقود.
هذه الميزانيات لا تجسر الفجوة، اذ ان السلطات البلدية اليهودية تحظى جميعها بهبات خاصة وبمناطق صناعية مخصصة لها من الدولة، وهذه المناطق تشكل مصدر دخل هائل لهذه البلديات وخارج إطار الموازنة السنوية والدعم الحكومي المباشر وهي تشكل حيز تشغيل لسكان هذه البلدات. وهي ميزة تحرم منها غالبية السلطات البلدية العربية والتي تقدم خدمات لنحو مليوني فلسطيني من مواطني اسرائيل.
تصل قيمة المبالغ التي قرر الوزير تحويلها عن غايتها وحجبها عن البلديات العربية الى 307 مليون شيكل، وهي بحد ذاتها تعتبر مبالغ زهيدة تماما بالنسبة لميزانية الدولة، الا انها قد تؤدي الى تراجع خدمات هذه السلطات البلدية ولغاية انهيار عدد منها.
فيما يخص القدس المحتلة، قرر سموتريتش حجب التمويل عن الكليات التحضيرية التي تُعِدّ خريجي المدارس الثانوية الفلسطينية للدراسة الجامعية في الجامعات والكليات الاسرائيلية، بما فيها الجامعة العبرية في القدس. سوّغ سموتريتش قراره بأن التعليم العالي للطلبة الفلسطينيين في الجامعة العبرية يدفع نحو “التطرف” و”مواقف داعمة للإرهاب”.
اعترضت المؤسسة الامنية الاسرائيلية بما فيها الشاباك ومجلس الأمن القومي على اعتبارات الوزير سموتريتش وفنّدت ادعاءاته ومن منطلق أمني.
مالياً فنّدت الطواقم الإدارية والمهنية في وزارة المالية قرار الوزير، وحسب كل المعطيات الرسمية فإن تكاليف الدولة في حال انهيار سلطة محلية هي أكبر بأضعاف من استمرار ضخ الميزانيات لهذه السلطة، كما اعترض وزير الداخلية من حزب شاس على قرار وزير المالية وكذلك اعترض رئيس مركز الحكم المحلي الاسرائيلي، باعتبار الميزانيات تندرج ضمن التزام حكومي رسمي.
إذن لماذا يصدر مثل هذا القرار وبالتنسيق مع نتنياهو كما يؤكد سموتريتش؟
قراءة:
سموتريش هو الوزير الأكثر نفوذا في الحكومة، وهو صاحب عقيدة “معركة الحسم” مع الفلسطينيين سعيا لتأسيس دولة الشريعة في كامل “أرض إسرائيل”، لهذا الغرض يرى أن ضم مناطق ج في الضفة الغربية وقوننة 170 بؤرة استيطانية وتأسيس المزيد منها، وتهويد متسارع للنقب والجليل والساحل، هو أمر ينبغي أن ينجز بأسرع وقت وخلال دورة الحكومة الحالية، دونما أي اكتراث للرأي العام ولا للقانون.
سموتريتش الذي نشأ في تنظيم شبيبة التلال الارهابي، بدأ ينقل نشاطه ايضا الى مناطق ال48 في مستوطنة اربيل في الجليل الشرقي، لا يجد أي فرق بين الوضعية القانونية السيادية للمناطق المحتلة عام 1967 وتلك التي احتلت في العام 1948. تقول “خطة الحسم” بخلق وضع من الترويع والترهيب للفلسطينيين يفضلون فيه ترك الوطن او مناطق فيه والقبول بالتنازل عن كل طموحاتهم الوطنية والقبول بظروف حياة لا توفر لهم اي أمان شخصي او جماعي حاضرا ومستقبلا.
يسعى سموتريتش الى القضاء على البنية الكيانية الفلسطينية بدءا من السلطة الوطنية الفلسطينية ومرورا بلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، وبلوغا الى دفع السلطات البلدية العربية الى الانهيار كون انهيارها سيعجل انهيار المجتمع الذي تخدمه، كما ويسعى الى استكمال ما بدأ به نتنياهو من جهود لتفتيت المجتمع الفلسطيني في اسرائيل، بما فيه تحطيم مقومات المجتمع المقدسي ودفعه نحو ترك المدينة لصالح التطهير العرقي والتهويد. سموتريتش هو زعيم التيار الذي يقوم أنصاره بالاعتداءات على اهالي الشيخ جراح والبلدة القديمة والاستيطان في سلون، وباقتحام المقدسات والمسجد الاقصى والاعتداءات اليومية على الرهبنة والكهنة في كنيسة القيامة ومجمل كنائس القدس وينتقلون راهنا للاعتداء على كنيسة مار الياس في حيفا في مسعى للسيطرة عليها وتهويدها، وفرض حرب دينية على الفلسطينيين.
يقوم سموتريتش بصلاحياته الواسعة بتطبيق سياسة سرقة المقاصة من السلطة الفلسطينية ومن السلطات المحلية في الداخل الفلسطيني في القدس، وذلك بإلغاء الدعم الى الكليات التي تخصص برامج تأهيل لتحضير الشبان الفلسطينيين للدراسة الجامعية، وتقوم باقتطاع ميزانيات مقررة للسلطات المحلية العربية. اضافة الى الجانب المالي الانتقامي، تحمل هذه الخطوات رسالة للفلسطينيين اينما هم بأن حقوقهم كما كل الانجازات التي حققوها بنضالاتهم، باتت ملغية حكوميا، وبات كل حق ملغيا ويتم التعامل معه بأنه منّة من الوزير وليس حقا مكتسبا. عمليا هذه هي المعادلة القائمة في السجون والتي يتم تطبيقها اسرائيليا خارجها. فكل انجاز تحققه الحركة الأسيرة بنضالاتها، يتم التعاطي معه على انه قابل للتراجع وليس مكتسبا، وبأنه فردي وليس جماعيا.
مقابل سموتريتش يقوم وزير الأمن القومي بن غفير وبإسناد من نتنياهو بتطويع جهاز الشرطة لسياسة الوزير القمعية والدموية تجاه الفلسطينيين في فلسطين48 والقدس. وتحويل عقيدة الشرطة من “حفظ النظام” الى عقيدة دموية عدائية بشكل معلن وسافر. هذا بالإضافة الى ميليشيات حزبه في النقب والساحل المخصصة لقمع فلسطينيي48 وكذلك لوحدات حرس الحدود العاملة تحت إمرته المباشرة والتي تشكل الأساس للحرس القومي. بينما الهدف السياسي هو تدمير قدرات هذا الجزء من شعب فلسطين على النضال وعلى تدعيم قدرات شعبه لإنهاء الاحتلال والعودة وتقرير المصير. كما ويعتبرون ان الجريمة المنظمة الفتاكة بين هذه الجماهير هي ضرورية في هدم المجتمع الفلسطيني من داخله.
تتجاهل حركة الاحتجاج الإسرائيلي ضد الانقلاب القضائي ومن أجل الديمقراطية، هذه المخاطر ولا ترى بها شأنا ينبغي ان يشمله جدول اعمالها، وهذا يجعل الوزيرين المذكورين محررين من اية معوقات ينتجها الضغط الشعبي على نتنياهو.
نتيجة لحالة الغليان الشعبي تجاه القرار أعلاه ولتحذيرات المؤسسة الأمنية فقد سعت حكومة نتنياهو سموتريتش الى “تخفيف” اللهجة العنصرية العدائية، والإبقاء على جوهر القرار، وفي مسعى لاتهام الاحزاب العربية الممثلة برلمانيا بأنها “داعمة للارهاب”.
الخلاصة:
يمر فلسطينيو48 في مرحلة حرجة تهدد كيانهم الداخلي، وكل إضعاف لهم يعني إضعاف قدرتهم على الاسهام في قضية شعبهم المستهدف كله.
حالة الضعف الفلسطيني في أي موقع هي الضمانة لتمرير المشاريع الاسرائيلية الأكثر خطورة منذ النكبة.
فلسطينيا باتت الحاجة ماسة للغاية برؤية ان المستهدف اسرائيليا هو الكل الفلسطيني وليس فقط هذا الجزء او ذاك، وعليه من المتوخى ان تبادر القيادات الفلسطينية الى حوار فلسطيني ينظر في مجمل الوضع وطبيعة الذهنية الاسرائيلية الراهنة بما هو ثابت وما هو مستجدّ، وأن يشمل هذا الحوار أيضًا فلسطينيي ال48 من خلال لجنة المتابعة العليا بصفتها تنظيمهم الكياني ومجمل الحركة السياسية، مع الادراك المسبق لاختلاف الوضعيات القانونية للمجموعات الفلسطينية المختلفة وما يتطلبه ذلك، لكن التفاهم رؤيويا بصدد النوايا الإسرائيلية التي باتت مشروعا قيد التطبيق على الأرض بصدد الحالة الفلسطينية ، وما هي السياسات الممكنة في المدى القصير وللمدى البعيد، وحصريا ايلاء الاولوية لكيفية تعزيز صمود الشعب وحمايته وحماية انجازاته.
عربيا سيكون جديرا ان تبادر جامعة الدول العربية لحوار داخلي مع الجهات المذكورة للتداول في الخطوات الممكنة دوليا على ضوء المخاطر المحدقة بالفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيو48.
سيكون جديرا مواجهة حركة الاحتجاج الاسرائيلية من قبل فلسطينيي48 ولجنة المتابعة العليا وتحميلهم هم ايضا المسؤولية تجاه التقاعس والصمت المريب بشأن الممارسات الأكثر عنصرية وفاشية تجاه فلسطينيي ال 48، وبشأن مجمل جرائم الاحتلال ومخاطر المنظمات الإرهابية التي بات ممثلوها يمسكون بسدة الحكم.
دوليا، من الاهمية أيضا الطلب من لجنة التحقيق الاممية الدائمة بشأن جرائم الاحتلال، انتداب لجنة تقصي حقائق في كل فلسطين، ومطالبة فعالة من الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والدول الكبرى بتوفير حماية للشعب الفلسطيني، والعمل على تصنيف واعتبار تنظيم شبيبة التلال وكل التنظيمات الاستيطانية الارهابية التي جرى تشريعها بمن فيهم الوزراء الفاشيين أطرا ارهابية.