ماذا قالت لي مظاهرة إسناد الأسير السياسي وليد دقة

مقالات


  • الجمعة 11 أغسطس ,2023
ماذا قالت لي مظاهرة إسناد الأسير السياسي وليد دقة
وليد دقة

كانت مظاهرة إسناد الأسير السياسي وليد دقة السبت الفائت الموافق (5/8/2023)، باسم لجنة المتابعة العليا في مدينة باقة الغربية، وقد انطلقت المظاهرة من دوار قريب من مسجد أبي بكر، ثمَّ سارت في الشارع الرئيس في باقة الغربية ثمَّ انتهت بمهرجان خطابي في ساحة بيت الأسير السياسي وليد دقة، تحدث فيه رئيس بلدية باقة الغربية الأستاذ رائد دقة، والشيخ كمال خطيب رئيس لجنة الحريات، وأبو السعيد محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا، وأم ميلاد زوج الأسير السياسي وليد دقة. وكان عريف هذا المهرجان الشيخ خيري إسكندر. وأدَّت هذه المظاهرة رسالتها بعدد حضور قليل جدا، لعله تجاوز المائة في أحسن الأحوال، ويوم أن نظرت إلى هذا العدد القليل جدا واسيت نفسي ورحت أردد قول السموأل:

تعيرني أنّا قليل عديدنا فقلت لها إنَّ الكرام قليل

ثمّ جرى في صدري نهر من الأسئلة وهاكم بعضها:

1- كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني يعلم أنّ الأسير السياسي وليد دقة أمضى في السجن سبعة وثلاثين عاما، وبدافع النخوة والشهامة كان المطلوب من مجتمعنا أن يمد هذه المظاهرة بألف منا مقابل كل عام أمضاه الأسير السياسي وليد دقة في سجنه، هذا في أضعف الأحوال، وهذا يعني أنَّه كان من المفروض بدافع النخوة والشهامة أن يسير في هذه المظاهرة سبعة وثلاثون ألفا منا، ولكن ذلك لم يحدث لأن نخوتنا وشهامتنا باتتا في خطر، بل إن مجتمعنا لم يمد هذه المظاهرة بمائة منا  مقابل كل عام أمضاه الأسير السياسي وليد دقة في سجنه، بل لم يمدها بعشرة منا مقابل كل عام من هذه الأعوام، ولو فعل ذلك على حياء، لكان من المفروض أن يسير في هذه المظاهرة عدد منا يقارب الأربعمائة، ومع شديد الأسف، حتى ذلك لم يحدث، ولذلك أقول بقلب منكسر: واحسرتاه على حيائنا الذي بات في خطر كذلك، وما أصدق قول الشاعر فينا وفي جدلية إسنادنا الواهي المعيب للأسير السياسي وليد دقة:

فيا ليتك إذ لم ترع حق أبوتي  فعلت كما الجار المجاور يفعل

2- سارت المظاهرة بالعدد القليل جدا تشق الشارع الرئيس في مدينة باقة الغربية، فقلت في نفسي والخيبة تصفعني على خدي الأيمن والأيسر بسبب قلة عدد المشاركين، قلت في نفسي، لو أن جنازة سارت في مدينة باقة الغربية لسار فيها المئات من أهلنا في باقة الغربية على أقل تقدير، فلماذا لم نر هؤلاء المئات في هذه المظاهرة؟! وقلت في نفسي لو أنَّ (زفة عريس) سارت في أحد شوارع باقة الغربية لسار فيها المئات من أهلنا ولأنضم إليها الكثير خلال سيرها ولتوافد إليها أقرباء العريس وأصحابه، فلماذا لم نر مثل هذا المشهد في هذه المظاهرة؟ وقلت في نفسي: أين هي القوى السياسية الوطنية والإسلامية في باقة الغربية؟! لماذا كان حضورها ضعيفا جدا في هذه المظاهرة؟!

3- ما أكثر عدد الأسرى السياسيين في الداخل الفلسطيني الذين كانوا ذات يوم في السجن وأمضوا سنوات فيه ثمَّ خرجوا إلى شمس الحرية؟! لماذا لم نر منهم إلا العدد القليل جدا في هذه المظاهرة؟! أليس من المعروف أنَّ الأسير السياسي المحرر هو أكثر من يشعر بهموم الأسير السياسي الذي لا يزال خلف القضبان، لا سيما وأنَّ كل الأسرى السياسيين المحررين يعرفون حالة الأسير السياسي وليد دقة المرضية؟! وهي ليست كأية حالة مرضية عادية، حيث أنه لا يعاني من صداع ولا من زكام ولا من وجع في ضرسه، بل هو مصاب بمرض السرطان، وكان هذا الحال كافيا أن يدفع كل الأسرى السياسيين للانضمام لهذه المظاهرة بما في ذلك القدامى منهم، ولكن ذلك لم يحدث، بل كان عدد المشاركين منهم في هذه المظاهرة قليلا جدا.

4- إنّ العدد القليل جدا الذي شارك في مظاهرة حيفا ثم في مهرجان العراقيب ثم في مظاهرة باقة الغربية يقول لنا الشيء الكثير!! إنَّه يقول لنا: إن إرادتنا الجماعية قد تدهورت صحتها، وإن منسوب همتنا بات في حالة مرضية مقلقة، وإن منزلة عزيمتنا قد دنت وتدلت إلى درك لا تحمد عقباه!! والويل لنا إن رضينا لأنفسنا أن تنشط حراكنا المصيري صناديق الدعم الأمريكية الصهيونية!! والويل لنا إن بذلنا جهدنا إلى حد لا يطاق على صعيد القيادة والجماهير في انتخابات السلطات المحلية العربية فقط على صعيد محلي، وفي انتخابات لعبة الكنيست فقط على صعيد قطري، وأمّا ما سوى ذلك فإن أخشى ما أخشاه أن نصل إلى حال ينطبق فيه على الواحد منا- إلا من رحم الله تعالى – قول القائل: أنا نائم نائم أنا نائم!! في نهاري دوما أنا نائم!! في ليلي الحالك أنا نائم!! أنا نائم دوما أنا نائم!!

ثمَّ واحسرتاه إن تردى واقعنا إلى حال من الركود والعجز والفتور والانبطاح يصدق فيه قول الشاعر:

ناموا ولا تستيقظوا   فما فاز إلا النوم

5- ثمّ ماذا؟! ألا نعلم جميعا أن الأسير السياسي وليد دقة يجب أن يخرج إلى شمس الحرية فورا وفق كل ميزان سوي!! فلو وضعنا قضية الأسير السياسي وليد دقة في ميزان القانون المنصف، لوجدنا أن الأسير السياسي وليد دقة قد لبث في السجن سبعة وثلاثين عاما، وبذلك أنهى محكوميته، ولذلك يجب أن يخرج من سجنه فورا!! ولو وضعنا قضيته في ميزان الإنسانية الصافية، لوجدنا أنه يجب أن يخرج من سجنه فورا لأنه يعاني من داء عضال اسمه السرطان، وفي مثل هذا الحال فإن الموقف الإنساني في كل الأرض يحكم ألا يبقى في السجن دقيقة واحدة!! ولو وضعنا قضيته في ميزان العدل الأصيل لا العدل المغشوش لوجدنا أن العدل يوجب إخراجه من السجن فورا، لإن استمرار سجنه على ادّعاء منفوخ أجوف هو الظلم بعينه الذي يأباه العدل الأصيل!! ومع ذلك لا يزال الأسير السياسي وليد دقة في سجنه!! وإن الذي فرض ذلك هو يتحدى بذلك القانون المنصف، والإنسانية الصافية، والعدل الأصيل، وهو يتحدى بذلك كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وكأن لسان حاله يقول: (أنا أحيي وأميت). بل ولسان حاله يقول: (ما علمت لكم من إله غيري).

6- لقد ثبت لي بالدليل القطعي بعد تجربة بضعة عقود أن الشعارات السياسية لوحدها، لا تغير مجتمعنا، ولا توقظ ضميره، ولا ترفده بالهمة والتفاؤل والجدية، ولا تجنبه شر تآكله الداخلي كما هو حاله الآن. وإلى جانب ذلك ثبت لي أن رنين الخطابات وصخب مواقع التواصل وبريق الوعود الانتخابية المحلية والكنيستية، واللطم على الخدود، وحماسة الحراكات المتقطع على اختلاف أسمائها ومواقعها وضجيج المكاء والتصدية الذي باتت تتقن فن ترويجه الجمعيات المدعومة من صناديق دعم أمريكية صهيونية، إن كل ذلك لا يمكن له أن يكون الجواب الكافي والدواء الشافي لما آل إليه مجتمعنا من أمراض قلوب واعوجاج عقول وشلل إرادات، بل إن معظم من يطرح نفسه الآن أنَّه المنقذ لمجتمعنا ينطبق عليه قول الحكيم: (طبيب يداوي الناس وهو عليل)، فما هو المطلوب؟! إنَّ المطلوب هبة روحية راشدة، توقظ مجتمعنا وتحرره من قيود عيوبه، وتنهضه على قدميه، ليصرخ بصدق لا تمثيل فيه: نحن هنا.

. . .
رابط مختصر


رائد صلاح

ناشط وقيادي سياسي في أراضي48 


اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر