75 عامًا مرّت على احتلال مدينة عكا


  • الثلاثاء 16 مايو ,2023
75 عامًا مرّت على احتلال مدينة عكا
عكا

 

احتلت العصابات الصهيونية مدينة عكا في 16 من مايو/أيار 1948، لتسقط بعدها عدد من القرى كقرية شعب والمغار والدامون والزيب والبصة وعما وترشيحا.

وكانت مدينة عكا تقع ضمن الدولة العربية بحسب قرار التقسيم الذي صدر عام 1947، حيث كان عدد سكانها عشية قرار التقسيم أكثر من 12500 نسمة وسرعان ما ارتفع عدد سكانها ليصل إلى 180000 لأنها كانت تقع ضمن الدولة العربية ولأن المعارك حولها كانت من كل الجهات، فهاجر إليها الفلسطينيين لحماية أنفسهم من الحرب.

وكما كل المدن والقرى الفلسطينية، انتخب في عكا لجنة قومية لتولي مسؤولية الدفاع عن المدينة، حيث بدأت اللجنة فور انتخابها، بدعوة السكان إلى التطوع للقتال للدفاع عن عكا، وفي منتصف شهر يناير/كانون ثاني 1948، وصل فوج اليرموك التابع لجيش الإنقاذ بقيادة أديب الشيشكلي إلى المنطقة، وتولى الدفاع عن منطقة عكا وصفد، ووضع الشيشكلي قوة صغيرة لا تتعدى العشرات للدفاع عن عكا بقيادة خليل كلاس. 

ولكن أهالي عكا رفضوا أن يوكلوا مهمة الدفاع عن المدينة لجيش الإنقاذ، وذلك لاعتقادهم بأن هذا الجيش لن يكون باستطاعته الدفاع عن المدينة، خاصة أنه فشل في عدة محاولات لاقتحام مستعمرات صهيونية في الشمال، خاصة هجومه على مستعمرة "جدين" وفشله باقتحامها رغم حصار استمر لمدة ثلاثة أيّام، ورغم أن عدته وعتاده كانت أكبر مما لدى الصهاينة.

وبذلك استمرت حالة اللا حرب في مدينة عكا حتى 17 من آذار/مارس 1948، ولكن في ذلك اليوم، قامت العصابات الصهيونية الساعة 2:45 دقيقة بمهاجمة قافلة عربية متوجهة من بيروت إلى حيفا، محملة بالسلاح والعتاد وكان يتقدمها الرئيس أحمد حمد الحنيطي قائد حامية حيفا.

ما إن وصلت القافلة إلى دوار عكا القريب من مستعمرتي "كريات موتسكين" و"كريات حاييم"، حتى اعترضتها مركبة صهيونية، واصطدمت بالشاحنة الأولى التي في مقدمة القافلة، مما اضطر القافلة إلى التوقف عن السير، وحالًا انهال عليها الرصاص من المقاتلين اليهود، فنشبت معركة كبيرة بين الطرفين، حيث أن اليهود حظوا بنجدات كبيرة حضرت من المستعمرتين القريبتين. 

وفي ذلك الوقت، عندما رأى الرئيس الحنيطي أن الصهاينة تكاثروا عليهم، قرر أن يمنعهم من الحصول على الأسلحة والذخائر التي حملتها القافلة، وكانت هذه الحمولة تتجاوز الخمسة أطنان من الذخائر والمتفجرات، فعمد إلى حيلة.

وكانت الحيلة أن ترجّل الرئيس الحنيطي مع رجاله من السيارات، فظن اليهود أنهم قد استسلموا، فصاروا ينزلون من سياراتهم فرحين بالنصر، وأحاطوا بالشاحنات العربية أملًا في أخذ أسرى من العرب، عندها قام الحنيطي بنفسه بإلقاء قنبلة حارقة داخل الشاحنة المحملة بالمتفجرات، فانفجرت وأحدثت دويًا رهيبًا، ودمرت الكثير من بيوت مستعمرة "كريات موتسكين".

وأسفر هذا الانفجار عن إحداث فجوة كبيرة في الشارع، كما قتل عدد كبير من المهاجمين، بالإضافة لاستشهاد بعض المقاومين، وعلى رأسهم أحمد حمد الحنيطي.

بعد الانفجار استمر إطلاق النار بين الطرفين لمدة طويلة، وهرعت النجدات من حيفا وعكا وحدث اشتباك استمر لمدة ساعتين وأكثر، وتوقف القتال بعد قدوم قوة من الجيش البريطاني وسيطرتها على الموقف.

وقتل في هذه العملية ما يزيد عن 40 صهيونيًان كما ارتقى 14 شهيدًا بينهم الرئيس الحنيطي.

بعد هذه المعركة، اشتدت المعارك بين العصابات الصهيونية والمناضلين العرب، والتي استمرت حتى سقطت حيفا في 22 من نيسان/أبريل 1948، فنزح سكانها وانتقل قسم كبير منهم إلى مدينة عكا.

وبعد سقوط حيفا، أصبحت مدينة عكا محاصرة من جميع الجهات ما عدا الطريق المؤدية لصفد، وهاجمت عصابات "الهاغاناه" مدينة عكا وحاصرتها لفتح الطريق بين حيفا والمستعمرات الشمالية، ومن أجل إرسال قوات إلى صفد للمشاركة في المعركة الدائرة هناك، ومن أجل السيطرة على الساحل الشمالي برمته.

وكانت خطة العصابات الصهيونية قطع الطرق المؤدية إلى المدينة وخاصة الطريق الوحيد المفتوح المؤدي لصفد وشمال فلسطين حتى لبنان، حيث أنه بهذه الخطة سيجبرون جيش الإنقاذ بالتخلي عن عكا من أجل المشاركة في المعركة الأساسية في صفد.

وبدأ الهجوم على مدينة عكا في 25 من نيسان/أبريل، حيث قصفت العصابات الصهيونية المدينة بمدافع المورتر والهاون، واستمر القصف لمدة خمس ساعات كاملة، مما أثار الرعب في قلوب المواطنين. وكان من نتيجة هذه المعركة احتلال "تل نابليون" الواقع شرقي عكا، حيث كان فيه سبعة فقط من المناضلين العرب، مقابل مائة وخمسين جنديًا صهيونيًا. 

كذلك احتل الصهاينة المقبرة الإسلامية، فطلب أديب الشيشكلي من اللجنة العسكرية في دمشق نجدة عكا، ولكنه لم يحصل على أي رد، عندها استنجد العرب بالحاكم البريطاني المستر كينيون طالبين منه أن تلتزم بريطانيا بمنع احتلال مدينة عربية تقع ضمن حدود الدولة العربية، فاستجاب لطلبهم وأوقف اليهود عن الهجوم بعد أن اطلق جيشه عدة قذائف عليهم، فتوقف القتال في 26 من نيسان/أبريل 1948.

وفي 3 من مايو/أيار 1948، قامت عصابات الهاغاناه بتفجير جسر طريق عكا صفد وكان هذا الطريق الوحيد الذي يصل منه المدد إلى المدينة المحاصرة، كما وقامت "الهاغاناه" بضرب محطة توليد الكهرباء المزودة لعكا، مما أدى إلى توقف الكثير من المصانع والورش عن العمل، خاصة مطاحن القمح، وبهذا ازداد الوضع سوءًا في المدينة، وأصبح الجوع منتشرًا بين الناس.

ولم تكتف العصابات الصهيونية بقصف المدينة، فقامت بتلويث مياه نهر "الكابري"، والذي كانت تصل مياهه عن طريق قناة عمرها 200 عام، بجراثيم التيفوئيد مما أدى إلى انتشار المرض بشكل خطير في المدينة. 

وبحسب الصليب الأحمر حينها، فإن 70 شخصًا توفوا جراء مرض التفوئيد بشكل سريع، كما وتسمم 55 جنديا بريطانيا نقلوا للعلاج في مستشفى بور سعيد في مصر.

وبذلك صاحب شُح الطعام، قلة في المياه ما زاد الأوضاع سوءًا في مدينة عكا، فبدأ سكانها بالنزوح منها، وبسبب ذلك الوضع، قررت اللجنة القومية في عكا بالسماح للعصابات الصهيونية بالمرور شمالًا للوصول لصفد، لقاء أن لا يهاجم اليهود عكا، ولما عرض هذا الاقتراح على الشيشكلي وافق في السادس من أيار/ مايو وذلك ليتفرغ للقتال في صفد، ولكن "الهاغاناه" رفضت الاقتراح.

وفي 14 من مايو/أيار 1948، انطلقت الحملة الصهيونية باتجاه مدينة عكا، ووصلت تل نابليون عند الساعة 3 والنصف، ووقعت هناك معركة استمرت ساعة مع المدافعين عن التل بقيادة يونس نفاع، الذي انسحب بعدها، وانطلق مع جنده في قارب تاركين أهل عكا وحدهم في حربهم مع "الهاغاناه".

وبعد أن احتلت "الهاغاناه" التل قام العكيون بهجوم من أجل استرداده، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، واستشهد منهم الكثيرون أمثال عدنان الشامي وجميل عرابي ومحمد سعد وغيرهم.

وعند مرور قافلة "الهاغاناه" بجانب التل هاجمها المقاومون محاولين إيقافها، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، رغم تدمير سيارة واحدة منها، وكانت القافلة في طريقها إلى قرية السمرية، كما كان مخططًا، وهناك التقت بقوة بحرية أنزلت على الشاطئ، وهاجمت القوتان القرية فسقطت بعد معركة عنيفة ضد أهالي القرية.

في 15 من مايو/أيار 1948، قرر من تبقى من المناضلين في المدينة أن يخوضوا معركتهم الأخيرة، حتى آخر رمق فقاموا بهجوم مضاد على اليهود في صباح ١٥ أيار / مايو، واستطاعوا استرجاع محطة السكة الحديدية وبناية مصلحة الشؤون، وعمارة السينما الأهلية، ولكنهم انسحبوا من الموقعين الأولين، تحت وقع المدفعية الصهيونية، بعد أن سقط منهم الكثير من الشهداء، واستمرت المعركة حتى ساعات الليل المتأخرة، وتكبدت "الهاغاناه" في هذه المعركة الكثير من القتلى، والذين وصل عددهم في إحدى الروايات إلى ستين قتيلًا.

ناضل المقاتلون في عكا حتى صبيحة يوم 16 من مايو/أيار 1948، إلا أن ذخيرتهم فرغت وأعياهم التعب وبذلك أعلنت المدينة استسلامها في ذلك اليوم.

 

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر