استشهاد خضر عدنان إذ يعيد ترتيب الأوراق

 


  • الأحد 7 مايو ,2023
استشهاد خضر عدنان إذ يعيد ترتيب الأوراق
خضر عدنان

 

استشهاد الأسير المجاهد خضر عدنان ستكون له تداعيات مستقبلية بعيدة المدى، لكن ما سيميزها أنها ستكون مرسومة فلسطينيًا وكذلك إسرائيليًا. فباستشهاده يتمّ هذه اللحظات إعادة ترتيب أوراق المقاومة بما يتلاءم والمتغيرات الجارية فلسطينيًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا، وحسابات الاحتلال كما المقاومة ستأخذ بعين الاعتبار تلكم المتغيرات من باب المسؤولية الملقاة على عاتقهما كلٌ وفق حساباته الداخلية، ففي حين تتشابك المصالح والمحاذير إسرائيليًا، السياسية والأمنية والانتخابية والمعيشية، ويسعى اليمين لاعتبار ما حدث مع الخضر في سجونه ومحاكمه العسكرية انتصارًا ولو من باب رش الرماد في العيون لإرضاء سوائب اليمين الفاشي والمتشدد، فإنَّ المقاومة الفلسطينية ومع تعقيدات المشهد الفلسطيني داخليًا وتشابكه عربيًا وإقليميًا وإعادة ترتيب أوراق المقاومة في ظل حالات التقارب الجارية عربيًا، فإن استشهاد الخضر سيكون مدعاة جديدة للتفكير مجددًا بثنائية المقاومة المدنية والعسكرية وسبل تطوير وتجويد هذه الثنائية، ولعل في استشهاده فرصة للفلسطينيين لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية، إذ بات واضحًا أن ملف الأسرى فلسطينيًا، ملف مقدسٌ يتعالى عن الهموم الفصائلية وتجاذباتها.

خضر عدنان أيقونة الصبر والانتصار

الأسير عدنان أعلن إضرابه المفتوح عن الطعام منذ لحظة اعتقاله في الخامس من شهر شباط/فبراير الماضي، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال منزله في بلدة عرابة في الضفة الغربية، وعاثت فيه خرابًا قبل أن تعتقله. ومعلومٌ للقاصي والداني أنه ذو شكيمة وصبرٍ وجَلَدٍ، فقد خاض معاركه ضد الاحتلال وهزمه في كافة تلكم المعارك كان أولها في عام 2004 حيث خاض إضرابًا عن الطعام لمدة 25 يومًا، والثاني في عام 2012 لمدة 67 يومًا، والثالث عام 2014 لمدة 54 يومًا، والرابع عام 2021 لمدة 25 يومًا”، بالإضافة إلى إضرابه الذي استشهد خلاله وهو مستمرّ فيه، ووصل 87 يومًا. وهذه المعركة الأخيرة التي خاضها كان يعلم أنها آخر معاركه مع الاحتلال وأنها ستسجل في سفر الخالدين المقاومين ولو كان على حساب جسده الذي أفنى أحد عشر عامًا في سجون المحتل.

لم يكن خضر قلقًا على نفسه وذاته بقدر ما كان قلقًا على حاضر ومستقبل شعبه، إذ الذي يقع تحت الابتلاء ليس كمن ينظر إليه من بعيد. والقائد الخضر من القيادات الفلسطينية النادرة التي تملك رؤية إستراتيجية في حيثيات الصراع مع المحتل الإسرائيلي، وأمضى من عمره عدد سنين في سجونه وهو الخبير بالعقلية الإسرائيلية ونفسياتهم، ووصيته لأهله وزوجه وأبنائه وشعبه، تشي أن الشهيد الخضر مستوعب جدًا للصراع بأبعاده السياسية والعقدية، وكله يقين أن الغلبة لأهل الحق المتمثلين راهنًا بالشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال ربيب الكولونيالية الأورو-أمريكية بصدره العاري، بل يمثل الشعب الفلسطيني بوجوده وبكل مكوناته وفصائله، الواجهة الحضارية في معاني الصراع بشقه الحضاري الإنساني وبشقه الحضاري الملحمي.

مارس مقاومة من نوع مختلف، معركة الأمعاء الخاوية، وقد نجح في هذه المعارك أكثر من مرة. مع تشكيل حكومة اليمين الديني، استهدفت العديد من المقاومين الفلسطينيين ممن أفرج عنهم في وفاء الأحرار وكان من المعتقلين الشهيد خضر عدنان.

كان معلومًا لدى عديد المتابعين لشؤون الأسرى أن خضر عدنان وهو يخوض معركة الأمعاء الخاوية، فإنّ هذه المعركة ستكون آخر معاركه مع عدو حقود وغاشم، وبات واضحًا لكل من يتابع الشأن المقاوم، أن خضر عدنان ومع تدهور حالته الصحية هو عمليًا شهيدٌ مع وقف التنفيذ، فالرجل رحمه الله خاض معارك أمعاء خاوية كثيرة في مسيرته الجهادية-النضالية، وجسد اليوم غير جسد الأمس، لكنها الإرادة والعزيمة التي سعت لتحقيق انتصارٍ من نوع مختلف يصعب على العقل المادي الإسرائيلي الاستعماري ومن يدور في فلكه من العلمانية الغثائية الفلسطينية والعربية أن تتفهمه أو حتى أن تتقبله، علمًا أن الاحتلال أدرك منذ اللحظة الأولى أن خضر عدنان هو في جوهر تعاطيه مع الاحتلال شهيد حي، ذلكم أنه رفض الخضوع والخنوع للاحتلال بغض النظر عن كيفية المواجهة والمقاومة، فالوجود الفلسطيني الذي لم تتوقف مقاومته منذ عام 1967 أعاد موضعة نفسه مقابل الاحتلال ومقابل من يتعاون مع الاحتلال تحت مسمى التعاون الأمني. هذه الإعادة تترب أوراقها راهنًا متزامنة مع استشهاد الخضر، وكأنه في استشهاده يؤكد قضية إعادة ترتيب الأوراق في مواجهة محتل أيديولوجي لا تنفع معه البرجماتية السياسية ومزامنة العمل السياسي وتطبيعه.

جاء استشهاد الخضر في ظل تحولات إقليمية جارية على قدمٍ وساق وتحولات عالمية وتحولات داخل المجتمعات، إذ معالم هذه التحولات تتجلى وببطء شديد مجتمعيًا في صراع الهويات الذي جنى الكثير من الأرواح واستقر راهنًا بين هوية إسلامية جامعة وهويات متشظية بين الطائفية والوطنية الترابية والاوليغاركية وأخرى محلياتية. وقد جاء استشهاد الخضر ووصيته لتحسم مسألة معنى الهوية الفلسطينية المقاومة بعدئذ كان ثمة لغطٍ، جاء حاسمًا لمعنى الهوية الإسلامية المترابطة مع الأرض المقدسة في بعدها الديني الشرعي الخالص الممتلئ بالمعاني الشرعية والمتناسل منها معانٍ وطنية وقومية ومحلياتية، وأنصح القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن يقرأوا وصيته بتمعن وتدبر، إذ الرجل في وصيته في لحظات إقبال على الآخرة وإدبار من الدنيا مازجًا بين الدنيوي والأخروي والجهادي غير متناس لوعد الآخرة الذي تربت عليه أجيال الصحوة جيلًا تلو جيل.

استشهاد يعيد ترتيب الأوراق

كانت حكومة نتنياهو-سموطريتش-بن غفير، قد تعمدت هذه المرة إعدام المجاهد خضر عدنان إشفاءً لصدرها المريض، وطمعًا بكسر هذا المجاهد، ورسالة إلى كل الأسرى في سجون الاحتلال. لكنَّ استشهاده وما تبعه من خطوات داخل السجون وخارجها، كان مرسومًا فلسطينيًا وبدقة كما أنه كان محسوبًا احتلاليًا، فحسابات البيدر هذه المرة لم تختلف كثيرًا عن حسابات الحقل، ذلكم أن الطرفين الفلسطيني المقاوم ومقره غزة والاحتلال ومقره تل أبيب، يعلمان يقينًا أن تصعيدًا عسكريًا كالذي يطمع به الثنائي بن غفير-سموطريتش وبعضٌ من قادة العسكر وأجهزة الأمن من حملة العقلية الأيديولوجية اليمينية، ستدفع نحو وضع كافة أراضي فلسطين “الانتدابية ” تحت طائل صواريخ الجهاد وحماس، وقد بات واضحًا للطرف الاحتلالي الإسرائيلي منذ عام 2014 أنَّ معاركه مع المقاومة خاسرة، وإن أحدث خرابًا واسعًا في القطاع، إذ الحرب حرب معنويات وثبات واستمرار وعضٍ على النواجذ، وكيف يستقيم هذا الأمر وعشرات الآلاف من الإسرائيليين يلهثون وراء جوازات سفر برتغالية وألمانية ورومانية أعلنت تلكم الدول عن منحها لمن يملك الأوراق الثبوتية التي تفيد أن أجداده من تلكم البلدان.

بات واضحًا للمقاومة وكل من يتابع الشأن المقاوم بكل محايثاته وتعقيداته السياسية وتداخلاته الشرعية، أن المقاومة قد اتخذت قرارها بدحر الاحتلال، وأن المسألة باتت مسألة وقت وصبر وعُدة، وفي المقابل أدرك الاحتلال وهو الذي يملك من القوة العسكرية ما تمكنه عمليًا من احتلال القطاع بساعات، إذ القطاع في العلم العسكري لا يصمد أمام حرب شاملة ساعات، لكنَّ لكل قاعدة شواذها الخاصة، والاحتلال يدرك تمامًا الأثمان التي سيدفعها في حالة خوض مثل هذه الحرب، فهو يعلم خاصة بعد حرب عام 2021 أن حسابات البيدر ليست كحسابات الحقل، أي أن حساباته ليست كحسابات المقاومة والشعب الفلسطيني، وأن حربًا كهذه ستكون جد مكلفة ولا يستطيع أي رئيس وزراء أو قائد هيئة أركان أن يتحملها لا حاضرًا ولا مستقبلًا. لذلك تتم هذه اللحظات إعادة ترتيب الأوراق: أوراق المقاومة وأوراق السياسة وأوراق الاقتصاد المعيشي لساكنة الأرض المقدسة، فكما أن الهم الإسرائيلي الرسمي يتزايد اتجاه ضغوطات الحياة المعيشية الداخلية وباتت هذه المسألة تُؤَرقُ نتنياهو ومن معه من اليمين، كذلك فإن هذه المسألة تؤرق الفلسطينيين سواء المقاومة أو غير المقاومة، ومن يتحسب لهموم الناس ستكون دائمًا حساباته موزونة ودقيقة وحساسة.

 

 

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر