معركة الوعي (159) نقف أمام محطة مفصلية فإلى أين المسير؟


  • الجمعة 5 مايو ,2023
معركة الوعي (159) نقف أمام محطة مفصلية فإلى أين المسير؟
أراضي48

 منذ أوّل كنيست صهيوني شارك فيه عربٌ من فلسطينيي الداخل عام 1949 وحتى الكنيست الحالي، فإن الخطاب الذي حمله هؤلاء هو ذات الخطاب؛ خطاب الأسرلة الذي لم يتغير فيه شيء، ولم يتحقق منه شيء، سوى المزيد من الغرق في مستنقع ملعب السياسة الإسرائيلية. وسبب ذلك أن هؤلاء قبلوا بالواقع ورضوا به، ومنهم من سعى سعيًا حثيثًا للدخول فيه، بعد أن سبقهم إليه من كانت له يدٌ في صناعته. بل إنّ منهم من آمن وما زال يؤمن- إلى الآن- أنه ليس أمامنا إلا هذا الطريق، وأن ما سواه شاذ وغير طبيعي ولا يصبّ في مصلحتنا.

وربما نقولها لأول مرة: إن هؤلاء، عبر الطريق الذي ساروا فيه، أسهموا في عزلنا- عمليا لا وجدانيا- عن امتدادنا الفلسطيني، وأصبحنا بلا ظهير ولا سند، جرّاء من صنعته أيديهم.

وقد قيل: ماذا يمكنك أن تسمّي من يرتكب ذات الخطأ في كل مرة، ويستخدم ذات الأدوات، ويتحنّط داخل ذات القالب ثم ينتظر في كل مرة نتيجة مختلفة؟!!

الآن، وبعد كل هذه السنوات العجاف من طحن الماء من على منصة الكنيست الصهيوني، ألم يحن الوقت للتوقف وإعادة قراءة الحالة بصورة مختلفة والتصرّف بصورة مختلفة وإعادة ترتيب أوراقنا التي تكدّست حتى صارت كالجبال، وتبعثرت كالهباء، وتناثرت أيدي سبأ؟

إن من الذكاء السياسي أنَّ أيَّ إطار أو أية مجموعة أو أي مجتمع يخوض تجربةً ما يتوقف في لحظةٍ ما عند إحدى المحطات المفصلية لهذه التجربة، ويفحص نجاعة الطريق الذي سار فيه والأدوات التي استخدمها لتحقيق أهدافه. بكلمات أخرى: يُجري مراجعات وجرد حساب؛ ماذا حقق، وأين نجح، وأين فشل، وما مقدار النجاحات مقارنة مع الفشل، ثم يعيد حساباته ويعيد ترتيب أوراقه. فهل فعلنا نحن هذا، كمجتمع فلسطيني في الداخل، على مستوى القيادات، والأطُر والجمهور؟

للأسف.. لم يحدث!

نحن اليوم، وبعد 75 سنة من هذه الحالة المترهلة، التي أساءت إلى قضية شعبنا إساءة تاريخية كلفته ثمنا باهظا، نقف أمام مفترق طرق مفصلي، لا بدّ لنا من تحديد خياراتنا فيه قبل أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل نواصل السير في ذات الطريق، أم نتوقف لحظة، برهة، هنيهة، ثم نغيّر اتجاه سيرنا؟

ليس أمامنا خيار ثالث، فإما هذه وإما تلك. ولما ثبت لكل ذي لبّ أن تلك التجربة ثبت فشلها، وأن الثمن الذي دفعناه من دمائنا وهويتنا وانتمائنا كان باهظا جدا، وأننا لم نحقق من وراء ذلك الطريق إلا المزيد من خيبات الأمل وحصاد الأوهام، فإنه حريٌّ بنا أن نلتفت إلى أنفسنا من بوابة أخرى، هي بوابة الانعتاق من خريف الأسرلة والقفز إلى ربيع الفلسطنة.

طوال سنوات وجَّهنا النصيحة تلو النصيحة إلى الأطر التي اختارت الخنوع للواقع كي تُخرج نفسها من مربع الخنوع إلى ميدان العمل الحقيقي، وقدمنا الدليل تلو الدليل على أن السياسة والنشاط السياسي ميادينه أكبر بكثير وأوسع بكثير من ضيق الكنيست الذي دفنوا رؤوسهم في رماله. ولكنّهم أصروا وكابروا، ودافعوا عن تلك الخطيئة التاريخية بأسنانهم وأظافرهم.

لقد أثبتنا لهم بالدليل القاطع، وفي كثير من الحالات بالصوت والصورة والوثائق، أن المشروع الصهيوني يتعامل معنا من منظور أمني، وأن آباء هذا المشروع التاريخيين أرادونا مجرد حطّابين وسقاة ماء. وقد رأوا بأمّ أعينهم، ومنهم من قال ذلك بنفسه، أن السياسة التي طبقت علينا طوال العقود الماضية هي وثيقة يسرائيل كنيغ بحذافيرها، تارة بطعم رابين وبيرس، وتارة بطعم يوسي سريد وشولاميت ألوني، وتارة ثالثة بطعم بيجن وشارون وشامير، وتارة رابعة بطعم نتنياهو، وخامسة بطعم أولمرت وتسيبي لفني، وسادسة بطعم إيهود براك وشلومو بن عامي، وسابعة بطعم نفتالي بينيت وبيني غانتس ويائير لبيد، والآن بطعم بن غفير وسموطرتش!!

إن المؤسسة الإسرائيلية لا يمكن أن تعطي شيئا حقيقيا، بل تعطي الفتات لتأخذ كل شيء، وقد أخذت كل شيء ولم نحصل نحن حتى على الفتات. ومع ذلك أصرّ الذين غرقوا في مستنقع الأسرلة، وبرّروا وزيّنوا خطابهم بأوهام وأضاليل وقع في شباكها- للأسف- كثيرون من أبناء مجتمعنا، وصفق لها كثيرون، ودافع عنها كثيرون.

فإلى أين المسير؟

هل نواصل طريق الاستسلام للواقع أم نسعى إلى تغييره؟

لو سألت جميع الذين خاضوا تجربة الكنيست والذين يخوضونها إلى اليوم لقالوا لك إنهم يسعون إلى التغيير، ولنفوْا أنهم استسلموا للواقع. لكنّ هذا خاضع لاختبار الواقع. والواقع يحمل مليون دليل على أنهم لم يسعوْا إلى تغيير الواقع بل استسلموا له. ولكن لنفترض حسن النيّة، ولنصدّق أنهم إنما أرادوا تغيير الواقع عبر هذا الطريق، أليس في واقعهم وواقع مجتمعهم الذي أوصلهم إليه الطريق الذي ساروا فيه ما يكفي من الأدلة الواقعية على أنهم فشلوا؟!

ليس أمامنا، إذًا، سوى الخيار الآخر: ممارسة العمل السياسي من خارج ملعب المشروع الصهيوني الذي أذاق مجتمعنا العلقم وأوردَهُ التهلكة ومزقه شرّ ممزق، وحرف بوصلته، وانتزعه بعيدا عن دوائر انتمائه، حتى اضطربت هويته وتشوشت رؤيته والتبست عليه الأمور.

ونحن نملك من الأدوات ما يمكِّننا من ذلك. ولن نعجز. نحن فقط نحتاج إلى إرادة وقرار ينتجان قيادة واحدة، تتكلم بلغة واحدة وصوت واحد وتقودنا في طريق واحد يخرجنا من عنق الزجاجة ويحطم قيودنا…

أما إذا استمر حالنا كما هو الآن، فإن الثمن الذي سندفعه سيكون باهظا جدا، ربما لا يخطر في بال أحد…

 

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر