هل بدأت اسرائيل تتلمّس معنى تآكل قوة الردع؟

الردع


  • الأحد 9 أبريل ,2023
هل بدأت اسرائيل تتلمّس معنى تآكل قوة الردع؟
المسجد الأقصى المبارك

مع استمرار الجماعات اليهودية المتطرفة في عدوانها على المسجد الأقصى في شهر رمضان ومحاولة تغيير المعادلة القائمة، وحملات القتل والاعتقال في المناطق الفلسطينية المحتلة، توسعت دائرة الرد والاشتباك لتشمل الجنوب اللبناني، بإطلاق رشقات من الصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية. حبست المنطقة أنفاسها، فتصعيد من هذا النوع لا يحتاجه أحد، في ضوء التوتر والأزمات التي يمر بها العالم. ورغم أن كل الخيارات تظل مفتوحة، بسبب طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية. لكن معظم المؤشرات تفضي إلى أن الاحتواء وضبط النفس يبقى سيد الموقف. يمكن القول أنها من الحالات النادرة التي ترتبك إسرائيل في ردها على تصعيد أمني خطير من هذا النوع، فمعادلة الردع المتبادل لا يسمحان بحرب غير محسوبة، فلا لبنان بقادر على تحمل وزر حرب، ولا إسرائيل قادرة على حرب غير محسوبة النتائج، مع انها معنية في هذا الظرف باستبعاد حرب متعددة الجبهات.
كان لافتا توجيه إسرائيل الرسمية الاتهام لفصائل فلسطينية بتشجيع ايراني، بإطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، ولم تسارع كما العادة الى اتهام حزب الله بالمسؤولية، رغم قناعتها التامة بأن كل رصاصة تطلق من الجنوب تكون بعلم الحزب وموافقته.
مصادر عربية تحدثت عن نصائح إقليمية ودولية لحكومة نتنياهو بان تتجنب تصعيدا في لبنان، حتى لا تتوقف الترتيبات الجارية والخاصة بالاستحقاق الدستوري وانتخاب الرئيس الجديد. وفي ذلك مؤشر للنوايا باستيعاب الحدث مؤقتا حتى لا تستدرج ردا من حزب الله خاصة مع اول ايام عطلة عيد الفصح اليهودي.
انضباط إسرائيلي، يتجاوز النصائح الخارجية:
ظاهريا، يبدو ان التصعيد على الجبهة الشمالية قد يخلق نوعا من التضامن الشعبي والوحدة الداخلية في اسرائيل، وبالذات في أعقاب التصريحات الصادرة عن قادة المعارضة، لبيد وغانتس، الذين اعتبروا أن اسرائيل تعرضت لعدوان خارجي يستوجب الوحدة في مواجهته. لكن المستويات الأخرى السياسية والإعلامية بدأت تتحدث علنا عن تآكل حالة الردع الاسرائيلي بسبب سياسات الحكومة الحالية والانقلاب القضائي، وزعزعة الثقة بين المؤسسة الامنية والحكومة، وحملت الأصوات المعارضة لنتنياهو وحكومته المسؤولية عن تآكل الردع الاستراتيجي والضعف الداخلي والخارجي الاقليمي على السواء كما أشار إلى ذلك، زعيم حزب” اسرائيل بيتنا” افيغدور ليبرمان.
تدرك القيادة الإسرائيلية ان توسيع ردها الانتقامي على القصف الصاروخي الى الساحتين اللبنانية وسوريا وحتى إيران، غير وارد في هذه اللحظة، لأن ذلك من شأنه أن يساهم في توحيد ساحات المقاومة، لهذا تفرض المصلحة الإسرائيلية فصل ساحات الاشتباك الأخرى عن الحالة الفلسطينية وهذا يدلل على نية المؤسسة الأمنية بحسب منطوق بيان المجلس الوزاري الأمني المصغر، توجيه ضربة حاسمة لحركة حماس في غزة بما فيه العمل على تنفيذ تصفيات لقيادات حماس والجهاد الإسلامي في الخارج، إلا أن قرار المجلس الوزاري تحدث أيضًا عن القرار باستعادة حالة الردع في الشمال وهذا ما يمكن تفسيره بغارات جوية على مواقع في محيط المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان ، دون التعرض لمواقع حزب الله والجيش اللبناني والقوات الدولية.
طبيعة الرد الإسرائيلي المنضبط والمحسوب هذه المرة، ورغم الوحدة الداخلية خلف خيارات المؤسسة العسكرية والأمنية، إلا أن ذلك سيزيد من التوتر داخل الائتلاف الحاكم ، بين الليكود وحزبي الصهيونية الدينية، كما أن من شأنه أن يعمّق التصدعات داخل الليكود نفسه ، حيث انتقد عدد من قياداته رئيسهم نتنياهو، وأنه أصبح رهينة بيد وزير القضاء لفين وبيد سموتريتش وبن غفير، وقد يدفعون نحو التخلص منهما كحليفين سياسيين. بل هناك أصوات وازنة في أوساط النخبة الإسرائيلية ترى ان حكومة نتنياهو تنشغل بمناورات داخلية وأزماتها السياسية، في حين يشهد الإقليم والعالم تحولات غير مسبوقة ، دور ونفوذ صيني وروسي لم تعهده المنطقة منذ سنوات طويلة، في إشارة إلى التداعيات المحتملة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض .

تآكل عقيدة الردع:
عبّرت “مصادر أمنية” في تصريحات للإعلام عن توجه جديد بالقول “إننا نقوم بالجهود للفصل بين الجبهات وعدم الانجرار إلى حرب شاملة، لكن وبالتأكيد استعادة الردع. وعليه فإن رد فعل حازم في غزة سيكون دونما علاقة بالتوتر بالجبهة الشمالية”، ليس مسلّما بأن إسرائيل ستنجح في الفصل بين الجبهات والمواجهة متعددة الساحات وذلك لكون كل أطراف المقاومة لها مصلحة بالمواجهة. بينما تتحدث “مصادر أمنية” لموقع للإعلام ، بأن اسرائيل تلقت الرد على تآكل الردع.
تبقى مشكلة تآكل الردع الإسرائيلي بالمنظور الإقليمي، فقد كان ولا يزال من مسلمات الأمن القومي، ولا يبدو ان الازمة الاسرائيلية الداخلية تتيح تقييما مغايرا في المدى المنظور. وهذا لا يقلل من قدرات اسرائيل العسكرية الكبيرة ، لكنها باتت اليوم محدودة التحرك أكثر من أي وقت مضى، وان يدها لم تعد مطلقة. كما يتزامن هذا الأمر مع التآكل في نفوذ اسرائيل ودورها الاقليمي.
ويبدو ان تكتيك نتنياهو وطاقمه الأمني بات واضحا، فهو معني بتهدئة الأمور حول الاقصى، منعا للربط بين التصعيد على الجبهة الشمالية واقتحامات المسجد الاقصى، اذ أن الثمن قد يكون عاليا، وقال بوضوح أنه “لا توجد لدينا أية رغبة بتغيير الوضع القائم في الحرم الشريف، بل وندعو الى تهدئة الخواطر و سنكون حازمين في مواجهة المتطرفين الذين يستخدمون العنف”، بينما دعا الرئيس هرتسوغ المجتمع الدولي للتنديد بشدة بالانتهاك الخطير للقانون الدولي و”عدم التسامح مع الإرهاب و المس بالأبرياء”
الخلاصة:
كل الاحتمالات ممكنة ومفتوحة، ولا يمكن الاطمئنان الى اقتصار الرد على الموقع الفلسطينية في غزة ومخيمات اللاجئين في لبنان، وأنها لن تتسع في أية لحظة، والحديث يجري عن قوى مسلحة غير نظامية لا يمكن التوقع بردود فعلها. وقد يكون تصعيدا وحتى حربا على الجبهة الشمالية، لكن المرجّح هو احتواء التوتر على الجبهة الشمالية بشكل أو بآخر. والسعي لتسديد ضربة قوية لحركة حماس في قطاع غزة، وقد تستبعد اسرائيل القيام بذلك خلال الأعياد اليهودية.
باتت اسرائيل في ورطة، فكل حدث على الجبهة الفلسطينية قد يتحول الى حدث جوهري استراتيجي إقليمي، يستدرج ردود فعل شعبية في العالم العربي تضغط على حكوماتها. وهي أيضا غير معنية في الوقت الراهن بدفع ثمن كبير من أجل تيار الصهيونية الدينية المحوري في الحكومة والذي لديه اعتبارات غير سياسية، بل أيديولوجية دينية توراتية.
ليس لدى اسرائيل من مخرج أمني ما دامت قضية فلسطين مستعصية على الحل العادل، وهي أبعد من ان تكون مسألة أمنية، بل قضية شعب يسعى لتحرره الوطني، وهناك اتساع في حلقات المعارضة الشعبية للحكومة الحالية تقوم بالربط بين الحل السياسي مع الفلسطينيين وبين الأزمة الإسرائيلية الشاملة والأعمق.
لقد بات جلياً للمؤسسة الامنية والاستخباراتية الاسرائيلية أن انتهاك حرمة الأقصى بات مكلفا للاحتلال ويضع إسرائيل في مآزق استراتيجية. ومن الطبيعي أن يشعر الشعب الفلسطيني بجدوى استمرار مقاومته للاحتلال، وأن إسرائيل ليست مطلقة القوة، بل ويمكن ردعها. الروح الجديدة لشعب فلسطين، ستدفع الى الضغط على النخب الفلسطينية المتحكمة بالسلطة والقرار، الى ضرورة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنجاز مصالحات باتت ملحة وحاسمة لكسر شوكة العدوانية الإسرائيلية .

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر