سموطريتش.. بين اختراع الشعب الفلسطيني واختراع الشعب اليهودي

بتسلئيل سموتريتش


  • الأحد 26 مارس ,2023
سموطريتش.. بين اختراع الشعب الفلسطيني واختراع الشعب اليهودي
سموتريتش

تحدث وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموطريتش- أحد الأعمدة الخمسة في حكومة اليمين الإسرائيلية- في لقاء جمعه وغلاة الصهاينة اليهود الفرنسيين- ممن يؤمنون بالهيكل وبنائه على أنقاض المسجد الأقصى ويتبرعون بمبالغ هائلة لتحقيق هذا الحُلم الصهيوديني-، عن الدولة التي يعتقدها، دولة التوراة تلكم الممتدة من النيل إلى الفرات.

منذ أن تولت حكومة الرأسين لبيد- بينيت، التي آمن فريق منها بنظرية إدارة الصراع، وفريق آخر آمن بحسم الصراع. والصراع الأيديولوجي داخل المنظومة الصهيونية على أشده ليس فحسب فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية المتعلقة بجدل العلاقة بين الدين والدولة، بل وما تعلق بالآخر الفلسطيني وتقدم الأصوات المُنادية بحسم الصراع، ولعل قانون إلغاء الانفصال لعام 2005 يمهّد الطريق لإعادة إعمار مستوطنات في شمال الضفة أخلاها شارون أحد بناة هذه الدولة.

أحد أهم العلامات المميزة لهذه الحكومة، أنها حكومة تعتمد الأيديولوجيا بعناوينها الثلاثة: الدينية الصهيونية، والارثوذكسية الحاريدية، والصهيونية العلمانية الجابوتنسكية، وذلك لتحقيق أحلامهم خاصة ما تعلق في المسجد الأقصى والقدس والضفة الغربية.

في كلمته التي أطلقها في العاصمة الفرنسية باريس، الاثنين الماضي، عرض سموطريتش خريطة دولته وقد ضمت كلًا من الأردن وأجزاء من سوريا والسعودية فضلًا عن المناطق المحتلة عام 1967. وفي سياق كلمته قال: “لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، هذه هي الحقيقة التي يجب سماعها في البيت الأبيض”، وأضاف مستهترًا “أنا فلسطيني، جدي الذي كان في القدس من الجيل الثالث عشر هو الفلسطيني الحقيقي، وجدتي التي ولدت في ماتولا منذ أكثر من 100 عام لعائلة من الرواد، فلسطينية”.

إنَّ حديث التيار الديني الصهيوني الأيديولوجي عن فلسطين والفلسطينيين ليس بدعة بل هو حديث الصهيونية الحابوتنسكية وكلنا لا يزال يتذكر مقولات شارون حول الأردن وأنها مكان الشعب الفلسطيني على اعتبار أن فقه المراحل في تنفيذ المعتقد الديني المُتعلق بالأرض ينادي بأن الضفة الغربية والقطاع والداخل الفلسطيني بما في ذلك مدينة القدس هي جزءٌ من الأرض الموعودة التي أقيمت عليها “إسرائيل”، ولذلك اشتمل قانون يهودية الدولة الذي سُنّ عام 2018 على لفتات واضحة لمعنى الأرض المُتعلقة بالدولة من منظور توراتي، وكان واضحًا أنّ المرحلية أساس في الوصول إلى الهدف الكبير، الدولة اليهودية على كامل التراب التوراتي، وصولًا إلى بناء الهيكل، الهدف الأخير في الوصول الدولة التوراتية.

قصة الاختراع

الوزير سموطريتش رفض الاعتراف بالشعب الفلسطيني، زاعمًا أن لا وجود لشعب فلسطيني، مؤسسًا أقواله على نظريات القومية المُعاصرة والتاريخ المعاصر، حيث ظهر الشعب الفلسطيني كشعب تخلق هوياتيًا في ظل الدعوة القومية، وما رافق ذلك من بروز الدعوات للقومية، متزامنًا مع تحولات جذرية في الدولة العُثمانية، مثلهم- الشعب الفلسطيني- في ذلك مثل كل الشعوب العربية التي تخلّقت بعد سايكس بيكو كالحالة العراقية، وقد كانت قوى استعمارية وراء تخليق هذه المقولة لتفكيك الدولة العثمانية والاستئثار بمقدرات تلكم المناطق، خاصة مع اكتشاف حقول النفط كما حدث في منطقة الموصل التي شبَّ خلاف بشأنها انتهت بضمها إلى التاج البريطاني.

لسنا بصدد محاججة مقولات سموطريتش، بقدر التعاطي مع الأبعاد السياسية المؤدلجة لتلكم الطروحات، الساعية لنفي الفلسطيني، مكانًا وزمانًا وإنسانًا، وما سيتبع ذلك من نفي الفلسطيني أي كانت مناطق تواجده وتبرير قتله، على غرار ما يحدث راهنًا في الضفة الغربية. وحتى يكتمل المشهد، فقد تطرق (سموطريتش) في كلمته للداخل الفلسطيني قائلًا: “توقفوا عن البصق في البئر التي تشربون منها. إن دولة إسرائيل معجزة، والاقتصاد الإسرائيلي معجزة، على عكس أكاذيب قادة حملة نزع الشرعية من أن تنتشر ضدنا في العالم، نحن ننشر الخير لجميع سكان إسرائيل، يهودًا وغير يهود.. انظر 360 درجة حولك- في جميع البلدان الـ (22)، هل هناك دولة أخرى تتمتع بمثل هذه الحياة الجيدة؟ دولة حديثة مع اقتصاد متطور، مع حرية الدين وحرية التعبير والملكية، لا يوجد بلد مثل إسرائيل في العالم، توقفوا عن محاربتها وشعبها، وستخسرون وسننتصر لأن القدوس تبارك الله معنا”. ينظر سموطريتش ومدرسته إلى المكون الفلسطيني في الداخل على أنه خطر يجب التعاطي معه أيديولوجيًا لسبب انه ما زال مرابطًا ثابتًا في وطنه، وهذا الثبات يحمل من ضمن ما يحمل ملفات سياسية وأخرى أيديولوجية تتوسط العلاقة بين ثوابت القضية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة والعمل على إعادة الحق الفلسطيني، وهو ما يقلق هؤلاء المشاغبين من غلاة المتطرفين الشعوبيين أمثال بن غفير وسموطريتش.

كشف شلومو ساند في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” الصادر عام 2009، عن عقم شيء اسمه الشعب اليهودي، مبينًا أنّ هناك ديانة يهودية تجمع يهود العالم عبر طقوس تمارسها تلكم المجموعات، وأبان ساند ان هناك اقوامًا يهودًا دانوا اليهودية كأول ديانة توحيدية فيما لا يجمع بينهم ثقافة واحدة ولا لغة واحدة ولا حضارة مشتركة، وضرب مثالًا على أنه لا جامع بين يهود العراق أو المغرب أو المانيا، لا في الحضارة ولا في اللغة ولا في الآداب، ومن ثم فهم مجموعات عاشت في كنف ثقافات وطنية جامعة لتلكم المجموعات البشرية وقد استبطنت تلكم الثقافات. ولذلك عمدت الحركة الصهيونية التي جاءت وتخلقت في رحم أوروبا وتحولاتها القومية متأثرة ومستبطنة تلكم التحولات، لتعمل على تخليق شعب يهودي على أرض اختلف الصهاينة ابتداء أين تكون ليصلوا إلى أن تكون فلسطين، طمعًا وسيرًا في تحقيق رؤيتهم القومية التي اعتمدت الديانة اليهودية، بحيث أضحت اليهودية دينًا وقومية كعملتين لوجه واحد ساع لإقامة وطن قومي لتلكم المجموعات المختلفة ثقافة ولغة وحضارة، وكانت الجامعة العبرية واللغة العبرية الأدوات الأساس في تحقيق الحلم. ولذلك إذا كان الشعب الفلسطيني قد تمّ صناعته قبل مئة عام، فهو ذات الأمر الذي ينطبق عليهم. وفق ما أسلفنا.

سياسيًا، تم تخليق إسرائيل استعماريًا ولمهمات تتعلق بالقوى العظمى في المنطقة، وما زالت هذه الوضعية قائمة إلى هذه اللحظات، وقد حكم هذه القوى ثلاثة ضوابط لحفظ هذا الكيان بعدئذ نجحت القوى الاستعمارية العالمية في تمزيق الوحدة الإسلامية والحيلولة دون الوحدة العربية، فكان أن ابتدعت دولة إسرائيل والهدف الحيلولة دون وحدة عربية ولو على أساس قومي. لذلك عمدت إلى تحقيق حماية دائمة لإسرائيل باعتبار أنها دولة هجينة في بحر من دول قومية متجانسة ثقافيًا ولغويًا وتربويًا وحضاريًا وقد استحالت المسألة الوطنية إلى مسألة أساس في منطقة الشرق الأوسط تكون إسرائيل فيها الدولة الأكثر تقدمًا ونهضة لتحقيق السيادة والتأثير.

 

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر