التطورات تحاصر نتنياهو من كل الجهات

مقالات


  • السبت 18 مارس ,2023
التطورات تحاصر نتنياهو من كل الجهات
"نتنياهو"

تجمع التقديرات الاسرائيلية على أن الأزمة العميقة والشرخ السياسي والمجتمعي، سمات غير مسبوقة من حيث اتساعها وعمقها.
فالأصوات تتعالى داخل الليكود، أن هذا الحزب قد يتفتت وينتهي دوره المركزي في الحياة السياسية إذا ما تواصل خضوع نتنياهو للقوى العدوانية الأكثر تطرفاً وبالذات من حزبي الصهيونية الدينية، التي باتت بحسب رأيهم، تتحكم بجدول اعمال الحكومة.

التحليل:

حتى اللحظة، من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو ذاهب نحو حل إسرائيلي توافقي أو نحو الصدام العنيف. فقد وصل الاستقطاب والانقسام إلى نقطة محفوفة بالمخاطر بمفهوم فقدان السيطرة على مجريات الأمور. لكن عوامل أخرى داخلية وإقليمية، ساهمت في تعميق الازمة، وجعلت استمرار الائتلاف الحكومي الحالي، مسألة في غاية الصعوبة. في المستوى الأمني جاءت عملية مجدو، لتضع مفهوم الردع والامن الإسرائيلي محل مساءلة، إذ لا يزال الغموض يكتنف عملية تفجير عبوة ناسفة شمال البلاد، وكيف تسلل منفذ العملية من لبنان الى منطقة قريبة من مركز البلاد، في حين تنفي القوات الدولية اليونيفيل حدوث أي تسلل عبر الحدود مما يحرج الجيش الاسرائيلي أكثر.
الازمة تعصف أيضا بقيادة الجيش والشرطة والتوتر المتصاعد مع الوزير بن غفير، حتى أن بعض الأصوات المؤثرة وذات التاريخ العسكري المميز، باتت تحذر من خطورة تآكل الإجماع حول الجيش وتعاظم ظاهرة رفض الخدمة التي تهدد وحدة الجيش.
تحذيرات لافتة في قوتها ، فرئيس الشاباك السابق نداف ارغمان في مقابلة مطولة في اطار برنامج “عوفداه ” (الحقيقة) مساء يوم 16/3 ، سلط فيها الضوء على امكانية ان تقوم المحكمة العليا بإلغاء قانونية القوانين الجديدة، وعندها سيكون امام الاجهزة الامنية الشاباك والموساد والشرطة والجيش الانصياع الى القانون وليس للوزير المسؤول او بكلماته “سيكون عليها الولاء للمملكة وليس للملك” وغير ذلك يعني “انقسام وتفكك الاجهزة”.
ترافق ذلك مع عدد من الظواهر غير المسبوقة: اعتذار قائد الشرطة العام العلني عن اقالة قائد منطقة تل ابيب، واعتذار قائد الاركان عن تصريحاته التي قد تفهم بأنه يدعم الدكتاتورية الناتجة عن التغييرات القضائية، وتحذير جهاز الأمن الداخلي ” الشاباك” من خطورة انفجار الاوضاع وتفكّك المنظومات، شكلت جميعها مؤشرات الى بداية فقدان نتنياهو للسيطرة على منظومات الحكم والدولة. كما وبدأت تخوفات جدية وعميقة لدى قادة الجيش من استصدار أوامر اعتقال من محكمة العدل الدولية ومن محاكم بعض الدول التي تتيح ذلك في حال وطئوا أراضيها.
ليس هذا وحسب، بل شكل انضمام مجموعات من اليمين الاستيطاني بقيادة الوزير السابق يوعاز هندل إلى الاحتجاج ضد الائتلاف الحكومي، مؤشر آخر على تصدع جبهة اليمين العقائدي الصهيوني، فالرجل من مؤيدي الضم وتوسيع الاستيطان، وحوله قياديين من مجلس المستوطنات، وهو يتقدم بصورة علنية في التحذير من عواقب ممارسات الحكومة على تماسك الدولة.
على الصعيد الاقتصادي، وعلى الرغم من حملة العلاقات العامة التي قام بها وزراء الحكومة مع كبار الصناعيين والشركات الكبرى، إلا أن الفوضى الحكومية والانقسام السياسي، دفع العديد من المؤسسات الاقتصادية إلى التحذير من أن استمرار الازمة قد يدفع الى هجرة الأعمال ورفع مخاطر كلفة الاستثمار في إسرائيل. وبدأت حركة خروج اموال واستثمارات الى الخارج. في مقابلة لعميد بنك اسرائيل أمير اورون، وهو من تعيين نتنياهو، مع شبكة CNN تحدث عن اعتراضه على “الإصلاحات” بسبب تداعياتها على الاقتصاد والاستثمارات في إسرائيل.
صدمة التطورات الإقليمية والدولية:
كشف الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، عن إخفاق نتنياهو في سياساته الإقليمية التي عمل عليها لعقدين من الزمن، تجمع التقديرات على أن هذا التطور يدلل على ضعف هذه الحكومة دوليا وإقليميا واستخباراتيا. سيكون لها آثارها المستقبلية بعيدة المدى والتي تعني في الجوهر، تحجيم دور اسرائيل الإقليمي، وشكوك في استمرار التطبيع المجاني مع العالم العربي.
على الجبهة الدولية، وتحديدا، أمريكيا وأوروبيا، باتت المواقف المنتقدة لتحولات إسرائيل خارج المنظومة الليبرالية الديمقراطية الغربية، أكثر فاعلية وصراحة من أي وقت مضى، عززها الانتقادات ومظاهرات الاحتجاج ضد نتنياهو وسموتريتش والتي عمت العواصم الأوروبية الرئيسية من خارج إطارات اليسار الأوروبي أو من مؤيدي الحق الفلسطيني، بل جاءت هذه المرة من يهود تلك البلدان، ومن المهاجرين الإسرائيليين إليها. وقد تسبب هذه الموجة من الانتقادات والاحتجاجات في طلب نتنياهو من وزرائه عدم السفر الى الولايات المتحدة الى حين دعوته الى البيت الابيض، وهو ما لا تسعى إليه ادارة بايدن في الوقت الحالي، وذهب ابعد من ذلك باتهام الإدارة الامريكية أنها تقوم بتمويل مظاهرات المعارضة.
ورغم المراوغة والنفاق في المواقف الدولية إلا أن قناعة بدأت تترسخ في المجتمع الدولي بضرورة الحذر من تقديم أي إسناد مجاني لحكومة نتنياهو، لان ذلك يصب في صالح كل من بن غفير وسموتريتش المنشغلين في الضم وتغيير الوضع القائم في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأمامهم شواهد على إقامة ميليشيات مسلحة داخل الخط الأخضر، تجاهر برسالتها السياسية حول التطهير العرقي في النقب والساحل.
تفيد التقديرات الاسرائيلية بأن اختصار نتنياهو لزيارته الى برلين ولندن يعود الى المظاهرات التي تنتظره هناك، والشعارات التي رفعت أمام السفارات الأجنبية في تل أبيب والتي تطالب بعدم استقباله في تلك العواصم.
مبادرة هرتسوغ: الفرصة الأخيرة؟
خطاب رئيس الدولة هرتسوغ وتقدمه بخطوات عملية لحل وسط وفقا لما اسماه “منحى الشعب”، تمت صياغته بحسب المصادر الإسرائيلية بالتعاون مع رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب من نتنياهو، يؤكد ميلا راجحا من رأس الدولة ومنظومات أساسية في البلاد نحو التسويات.
استهل هرتسوغ مبادرته التي أعلنها على كل شبكات التلفزة يوم الثلاثاء 15/3 بالتأكيد على: “إن ما حصل في الاسابيع الاخيرة يمزقنا من الداخل ويلحق الضرر بالاقتصاد ونسيج الترابط المجتمعي”، وحذر من” اننا على مسافة قصيرة من الانزلاق الى هاوية الحرب الاهلية”. ووصف رئيس الدولة الخطة التي عرضها بالحل الوسط الذهبي المتزن واللائق الذي يعكس القواسم المشتركة الى ابعد تقدير، مشيرا الى انه إذا ما فاز طرف فإن إسرائيل تخسر بأكملها. واختصر هيرتسوغ عناصر مبادرته بالتالي:
– يتم سن أو تعديل قوانين أساس بأربع قراءات، ثلاث منها في الهيئة العامة للكنيست والرابعة في الكنيست التالية، ويجب في القراءة الاخيرة الحصول على أغلبية ثمانين نائبا.
– تخوَّل المحكمة العليا صلاحية إلغاء قانون يتناقض مع قانون اساس، وذلك في هيئة قضائية موسعة تضم احد عشر قاضيا على الأقل، وبأغلبية لا تقل عن ثُلثي عدد أعضاء الهيئة.
– تضم لجنة اختيار القضاة أحد عشر عضوا بينهم اربعة من الائتلاف الحكومي، والسبعة الآخرين من خارج الائتلاف الحكومي.
– تقليص معيار “المعقولية” بحيث لا يسري على قرارات الحكومة التي يتعين عليها الالتزام بمواقف المستشارة القانونية للحكومة.
في حين رحبت المعارضة بمقترح رئيس الدولة، جاء الرفض القاطع من رئيس الحكومة. الأمر الذي يحول نتنياهو الى عبء على حزبه من وجهة نظر عدد من قادته. فقد فرض العقوبات على النائب يولي ادلشتاين رئيس لجنة الخارجية والأمن ومن صقور الحزب، الذي تغيب عن التصويت على قانون اهلية رئيس الحكومة بمثابة مؤشر لحملة تصفيات داخلية.
استمرار الازمة يعزز المنحى الصدامي في المجتمع الاسرائيلي، ويرجح في هذه الحالة تزايد الانقسام في الليكود، بين تيار يتجرأ على تحدي سطوة نتنياهو الداخلية، خوفا على فقدان الحكم ومواجهة الانهيار الداخلي بعد أن خضع لابتزازات سموتريتش وبن غفير، ويصف هذا التيار الوضع بأنه انتحار سياسي لليكود، ويطالب بإعادة النظر في مجمل “الإصلاحات” التي قد تحطم الدولة والى اعادة صياغتها بشكل معتدل وأقل تطرفا.
وبين تيار ثان، وله الغلبة في قواعد الحزب حتى الان، ويضم جناح الصقور الذين يلتقون في مواقفهم العقائدية والسياسية مع سموتريتش وبن غفير.
خلاصة:
الوضع الداخلي في إسرائيل يقف على مفترق طرق خطر رغم مظاهر فقدان نتنياهو للسيطرة على الائتلاف الحكومي او حزبه الخاص ، فهو يمكن أن يمضي خلف الصهيونية الدينية معززا بأغلبية برلمانية ، ويواصل مقصلة أدوات “النظام الديمقراطي” ويتابع مجزرة القوانين التي ترسخ كل السلطات بيد الحكومة و أغلبيتها البرلمانية، بما يعني أيضا ان يشمل “الإصلاح ” المنشود اقصاء العرب من الكنيست من خلال تحديد الحق بالاقتراع بعد تمرير قوانين سحب المواطنة بذريعة المشاركة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية او رفض قانون يهودية الدولة ، وهو الأمر الذي يجد قبولا لدى الائتلاف والجسم المركزي في المعارضة الاسرائيلية. والمسار الآخر هو ان يضع نتنياهو حدا لهيمنة بن غفير وسموتريتش على الحكومة، وصولا الى اقالتهما ووقف التغييرات الدستورية والقضائية، لكن هذا الترجيح مشروط بتصاعد الضغوط الشعبية الداخلية والضغوط الإقليمية والدولية.
في كلتا الحالتين يسير نتنياهو نحو نهاية حقبته السياسية القيادية. في حال واصل الإذعان لوزير القضاء وللصهيونية الدينية والاستمرار في التغييرات الدستورية، فإنه يقود المجتمع الاسرائيلي لصدام غير مسبوق والى انقسام في منظومات الحكم والأمن والاقتصاد وحتى داخل حزبه. وإذا تراجع فإن تيار اليمين القومي والديني بما في ذلك من داخل حزبه سيعملون على إخراجه من المنظومة السياسية برمتها.
لا خيار فلسطينيا وعربيا غير تشديد الضغط على حكومة نتنياهو التي تقود اليوم مشروعا للإجهاز على قضية فلسطين والضم القسري، وعلى تغيير الوضع في القدس والمسجد الأقصى والتطهير العرقي في فلسطين 48 والتأسيس لدولة الشريعة اليهودية. وأية مهادنة أو تلكؤ او التذرع بأية حجج ومبررات من شأنها تعزيز تيار الفاشية والصهيونية الدينية.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر