إلى أين تتجه الأزمة الداخلية الإسرائيلية؟

خطة إضعاف جهاز القضاء الإسرائيلي


  • السبت 4 مارس ,2023
إلى أين تتجه الأزمة الداخلية الإسرائيلية؟
المعارضة الإسرائيلية

يتظاهر أسبوعيًا آلاف الإسرائيليين في الشوارع رفضًا للإصلاحات القضائية التي تنوي حكومة "نتنياهو" إدخالها للنظام الإسرائيلي والتي تطلق عليها المعارضة "خطة إضعاف جهاز القضاء"، وبرزت خلال الفترة الماضية مجموعة من القطاعات التي أعلنت رفضها القاطع لهذه التغييرات، ومنها قطاع الهايتك، ومؤخرًا أعلن ضباط في قوات الاحتياط الإسرئيلي نيتهم ترك الخدمة العسكرية في حال طبقت هذه الإصلاحات وأقرت بشكل رسمي في الكنيست الإسرائيلي بالقراءات الثلاث، فما هي القطاعات الأكثر تضررًا من هذه التغييرات؟

"الحكومة الإسرائيلية فوق القانون!!"

ويقول المحلل السياسي أليف صباغ خلال حديثٍ مع الجرمق بأن قطاعات عديدة ستتأثر بهذه الإصلاحات، موضحًا أن التعديلات القضائية ستعطي شرعية للقوى اليمينية الإسرائيلية، الأمر الذي سؤدي إلى تدهور الأوضاع في "إسرائيل".

ويضيف، "جزء من القلق الذي تبديه المعارضة والقيادات العسكرية الإسرائيلية عامة هو أن التعديلات القانونية قد تؤدي إلى رفع الحماية الدولية عن إسرائيل في المؤسسات الدولية وبالتالي كل القيادات الاسرائيلية والعسكرية ستذهب إلى محاكمات دولية دون حماية دولية، في الوقت الراهن أمريكا تحمي كل هؤلاء من المحاكمة، وتحمي إسرائيل أصلًا من أي محاسبة دولية".

ويردف، "الحالة الإسرائيلية تحولت من قلق  من الانقلاب القضائي إلى قلق بسبب الأجواء الحاصلة اليوم وعناد الحكومة لتنفذ الانقلاب القضائي، وعناد المعارضة لمنع الحكومة من تنفيذ تلك التعديلات، وبناءًا على ذلك أسبوعيًا يزداد عدد المتظاهرين وهذا يقلق الجميع".

ويقول محلل الإسرائيليات أنطوان شلحت لـ الجرمق: "الهدف من هذه الإصلاحات هو القضاء على استقلالية القضاء الإسرائيلي، والهدف من ذلك أن تمنح السلطة التنفيذية وهي الحكومة صلاحية مطلقة بأن تقرر ما تشاء حتى أن تضع نفسها فوق القانون وهذه هي الخطورة، أن تضع الحكومة فوق القانون شيء يثير القلق عند كل القطاعات، وما لاحظناه في الشارع الإسرائيلي هو أن كل القطاعات قلقة ما سيحدث في حال تطبيق تلك التعديلات هو أنه لن يعد هناك سيادة لما يسمى سلطة القانون".

تضرر القطاعات الإسرائيلية تباعًا..

ويؤكد صباغ على أنه لا يمكن القيام بعمل عسكري خارج البلاد وفق المفاهيم العسكرية الإسرائيلية إن كان ضد إيران أو ضد الفلسطينيين في حال وجود انقسام داخل الشارع الإسرائيلي وبين الحكومة والمعارضة.

ويتابع، "القيادات العسكرية اليوم وهذا الأسبوع انضمت للاحتجاجات، النقابات لم تنضم بعد، لكن انضمام النقابات قد يحرك الشارع أكبر بكثير من الوقت الحالي، التعديلات القضائية لم تطرق لهذه التفاصيل حتى الآن، عند الدخول للتفاصيل الحركة العمالية ستكون ضحية".

ويردف، "عند هروب رؤوس الأموال والاستثمار العلماء سيكونون ضحية أيضًا وسيهاجرون، الحركة العمالية والهستدروت سينزلون إلى الشارع، لذلك نحن أمام تصاعد وزيادة في عمق الهوة واتساعها، هل يمكن أن تصل الأمور إلى حالة اللاعودة؟! لا أحد يعلم ذلك بعد، يوجد محاولات للوصول إلى حلول وسط لكن كلها متعذرة حتى اللحظة".

ويوضح صباغ في حديثه مع الجرمق أن التعديلات القضائية لم تمس بعد بالحياة الاجتماعية وقضية العائلة، مضيفًا، "عندما تصبح الشريعة اليهودية هي من تتحكم بحياة العائلة والأسرة سيصبح الوضع أسوء بكثير، اليوم رئيس الكنيست مثلي ومتزوج من رجل، الأمور التي تمس بقضايا المثليين والزواج والطلاق لم تطرح بعد وما زال هؤلاء يعتبرون أنفسهم جزء من الحكومة وكأن هذا ضمان ألا تمسهم هذه التغيرات، لكن بن غفير ودرعي وسموتريتش لا يمكن أن يكتفوا بالقضايا التي طرحت حتى الآن دون الدخول بالحياة الاجتماعية بما يتلائم مع الحياة اليهودية".

ويؤكد شلحت في حديثه مع الجرمق على أن الحكومة الإسرائيلية عندما تضع نفسها فوق القانون فإن ذلك سيجعلها تمتلك سلطات ديكتاتورية من شأنها أن تقمع عبرها كل القطاعات في "إسرائيل".

ويتابع، "في حال وضعت الحكومة نفسها فوق القانون فهذا يعني أنها ستتمتع بسلطات ديكتاتورية بإمكانها أن تقمع كل القطاعات وفعليًا ستلون السلطة كل شيء في البلاد بلونها الأحادي، الاقتصاد سيخضع لرغبتها وستمنع أي نشاط لا يتوافق مع ما تريده، وستخضع الأدب والثقافة والفنون والمؤسسة الأمنية والجيش لفكرها وسياستها، لذلك نلاحظ أن هناك احتجاجات واسعة النطاق".

ويضيف، " بما يتعلق بالقطاع الأمني من الواضح أننا لا نملك الكثير من المعلومات حوله بسبب فرض رقابة عسكرية عليه وعلى كل ما يتعلق بأنشطته، لكن ما حدث حتى الآن هو أن الكثير من الضباط في الاحتياط والوحدة العسكرية أعلنوا أنهم في حال إصدار أوامر تتناقض مع ما يمليه عليهم القانون سيرفضون تنفيذ تلك الأوامر، وهذا جوهر الاحتجاج في القطاع الأمني".

"دولة فاشية"..

ويقول صباغ: "التعديلات القضائية تعطي شرعية للقوى اليمينية الفاشية وتعطيهم شرعية أكثر مما كانت تعطيهم في الماضي، في الماضي كان اسمهم جماعات غير منضبطة، اليوم تحولت هذه الجماعات إلى ميليشيات مسلحة ومدربة برعاية حكومية، وبن غفير أطلق عليهم اسم الحرس الوطني، إذًا يوجد مسؤولية حكومية مباشرة على هذه الميليشيات، وهي فاشية بكل معنى الكلمة".

ويتابع لـ الجرمق، "إسرائيل تنتقل من دولة صهيونية عنصرية ومحمية بالليبرالية من الغرب الليبرالي إلى دولة يهودية عنصرية، هي تتجه نحو الفاشية وجزء من مركبتها الفاشية أصبح شرعي، وهي تتحول من دولة تقمع أعدائها الخارجيين إلى دولة تقمع خصمها الداخلي وتحوله إلى عدو، وعندما يتحول الخصم الداخلي والشريك في الحكم إلى عدو، ستتعامل الشرطة معه كعدو وليس كمواطن وهنا يوجد تحول من دولة احتلال إلى دولة فاشية وهذا الخطر الأكبر".

فائض قوة قد يدمرها..

ويردف شلحت في حديثه مع الجرمق، "إسرائيل تشعر بفائض من القوة بسبب الأوضاع الإقليمية والعالمية المؤيدة لها، رغم سياساتها ضد الشعب الفلسطيني وتمسكها بالاحتلال وعدم تحقيق أي تسوية مع الفلسطينيين يوجد مزيد من الدول العربية تلهث وراء عقد اتفاقيات معها وهذا يعطيها ما يمكن أن نصفه بفائض من القوة وأن تمضي قدمًا دون أن تخاف من أي ضغوط خارجية".

ويتابع، "صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتج على بعض الإجراءات لكنها تؤيد السياسة الإسرائيلية كلها، وفي السنوات الأخيرة منذ ترامب أقصد انتقلت الولايات المتحدة من تأييد تلك السياسات إلى التماهي معها، لكن في حال استمر الضغط على الحكومة فهي ستكون مضطرة للتراجع عن هذه الخطة القضائية".

ويوضح شلحت أن "إسرائيل" تتجه نحو ما وصفه بالخطير، وهو أنها ستصبح عدوة لكل من يخالفها الرأي، مضيفًا، "إسرائيل تحتال على العالم بأنها ديمقراطية، لكن هي ديمقراطية لليهود فقط وما دون ذلك هي ليست ديمقراطية، هي يهودية للعرب وعنصرية للعرب ولا يمكن أن تكون ديمقراطية".

ويقول في ختام حديثه مع الجرمق: "إذا كانت إسرائيل حتى الآن ديمقراطية لليهود، فمع هذه الخطة، الديمقراطية الإسرائيلية لن تكون لكل اليهود وستكون للأوساط اليمينية المتطرفة وضد كل من يخالف هذه الأوساط، المشكلة مع السلطة الحاكمة إنها ليست معادية للعرب فقط هي أيضًا تنظر نظرة عدائية لكل من يخالفها الرأي، والأمور لم تصل لنهايتها، إلى أين ستصل؟! هذا سؤال يبقى مطروح للمستقبل".

ويوم الخميس الماضي، قالت قناة "كان" إن 180 ضابطًا من قوات الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي قدموا عريضة يعبرون عبرها عن رفضهم لأداء الخدمة العسكرية احتجاجًا على سياسة الحكومة الإسرائيلية لإضعاف جهاز القضاء الإسرائيلي.

وأشارت القناة إلى أن الضباط الذين قدموا العريضة يعملون في شعبة التحكم والمراقبة، لافتةً إلى العريضة أرسلت إلى وزير الجيش الإسرائيلي "يوآف غالانت" ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلي "هرتسي هليفي".

وأعلن 100 ضابط من كبار ضباط في منظومة "العمليات الخاصة" التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في خطوة تحذيرية توقفهم عن أداء الخدمة العسكرية  في حال تم إقرار الإصلاحات القضائية.

إلى جانب ذلك، أعلن مئات الضباط وجنود الاحتياط في وحدة التجسس الإلكتروني عن التوقف عن أداء الخدمة العسكرية لذات السبب وهو الإصلاحات القضائية.

وقال معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "رون بن يشاي": "ما يفاقم الأمور خطورة حقيقة أن الدافعية للخدمة العسكرية في أوساط قوات الاحتياط قد تراجعت بشكل كبير قبل الحديث عن الإصلاحات القضائية، ضباط وجنود الاحتياط، وبنسبة كبيرة جدًا، لا يحرصون على تلبية الأوامر بأداء التدريبات والمشاركة في المناورات التي يفترض أن تؤهلهم للمشاركة في الحروب والعمليات العسكرية مستقبلً".

وأعلنت شركات إسرائيلية اقتصادية واستثمارية بداية شهر فبراير الماضي عن نقل أموالها إلى خارج "إسرائيل" بسبب جهود الحكومة الإسرائيلية برئاسة "بنيامين نتنياهو" لإدخال ما تسميه بإصلاحات في جهاز القضاء الإسرائيلي ما يعتبره معارضون محاولات للهيمنة على الجهاز القضائي وتقويض دوره.

وأثارت خطط الحكومة الإسرائيلية الجديدة مخاوف المستثمرين في "إسرائيل" ومخاوف شركات قطاع "الهايتك" الذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في "إسرائيل".

وأوضحت شركة الهايتك، "بابايا غلوبل" أنها قررت إخراج أموالها إلى الخارج على خلفية "الإصلاحات" التي يخطط "نتنياهو" لإدخالها في مجال الاقتصاد ومجال القضاء.

وقالت المديرة العامة للشركة، "عينات غيز": "في أعقاب تصريحات رئيس الحكومة نتنياهو أنه عازم على تمرير الإصلاحات التي تستهدف الديمقراطية والاقتصاد، اتخذنا قرارًا تجاريًا بإخراج جميع أموال الشركة من إسرائيل".

وتابعت "غيز" في تغريدة عبر حسابها على منصة تويتر، "لا يوجد في الإصلاحات المخطط لها أي تأكيد على أنه بإمكاننا إدارة أنشطة اقتصادية دولية من إسرائيل، وهذه خطوة تجارية مؤلمة لكنها مستوجبة".

وأعلن صندوقا رأس المال المجازف DISRUPTIVE و DISRUPTIVE AI للمستثمرين عن عزمهما إخراج أموال الصندوقين اللذين يديران معًا 250 مليون دولار، إلى خارج "إسرائيل".

وأشار رئيس الصندوقين "طال برناح" لصحيفة "كلكليست" الاقتصادية إلى أنه في حال استمرت الحكومة وقامت بتنفيذ خطتها بإضعاف الجهاز القضائي الإسرائيلي فإن ذلك سينشأ عدم استقرار اقتصادي في "إسرائيل".

وتابع، "فعليًا ستكون سلطة واحدة تنفذ ما تشاء وبضمن ذلك تعديلات وتغييرات في الضرائب وشكل عمل الشركات، فالاقتصاد مبنيّ على الاستقرار وأنا موجود حاليًا في لندن، والتقيت مع مستثمرين لديّ وهم قلقون جدًا، وهم يقولون إنه إذا تم تمرير الإصلاحات، فليس واضح لهم إذا كانوا سيستمرون بالاستثمار في إسرائيل ومن الجائز أن يضطروا إلى إجراء تغيير لأنهم لا يريدون أن يكونوا تحت رحمة سلطة واحدة".

وقبلها، وقع عدد من الاقتصاديين الإسرائيليين على عريضة حذروا عبرها من خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" لإضعاف الجهاز القضائي الإسرائيلي، مؤكدين أنها ستلحق ضررًا بالاقتصاد الإسرائيلي.

وأوضحت العريضة التي وقع عليها الاقتصاديون الإسرائيليون أن إضعاف جهاز القضاء الإسرائيلي سيلقي أضرارًا غير مسبوقة على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الإجراءات التي يقودها وزير القضاء الإسرائيلي "ياريف ليفين".

وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إقرار إجراءات جديدة تتعلق بتخفيض تصنيف إسرائيل الائتماني خلال الأسابيع المقبلة.

وقال الاقتصاديون في العريضة: "الاقتصاد الإسرائيلي يحظى بتقدير كبير من قبل المؤسسات وهيئات التصنيف الاقتصادي الدولية، والإضرار باستقلالية القضاء سيزيد بشكل كبير من احتمالية الإضرار بالتصنيف الائتماني للحكومة الإسرائيلية، وبفرص تجنيد الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية".

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر