معركة الوعي (150) تريدون الأمن؟!! اخرجوا من حياة الشعب الفلسطيني!

مقالات


  • السبت 18 فبراير ,2023
معركة الوعي (150) تريدون الأمن؟!! اخرجوا من حياة الشعب الفلسطيني!
أرشيفية

منذ نكبة الشعب الفلسطيني، والّتي شكّلت ذروة نكبة الأمة؛ والتي على أثرها أُنشئت المؤسسة الإسرائيلية، تعاقبت حكومات إسرائيلية كثيرة، وجاءت كل واحدة منها بخطة في صُلبها تثبيت أركان الكيان الصهيوني وإغلاق ملف الصراع على فلسطين إلى الأبد. وقد فشلت كل الخطط رغم أنّها حظيت بدعم دولي من أركان الأرض الأربعة، بما فيه دعم مبطن تارة، وجليّ تارة أخرى من أنظمة عربية متواطئة.

وقد تجد من الباحثين الإسرائيليين والغربيين والعرب مَن أمضى الليالي الطوال في محاولة لتفسير أسباب هذا الفشل، دون أن يحاولوا لمس الحقيقة، في عملية لف ودوران هروبًا أو تجاهلًا أو تغاضيًا عن السبب الحقيقي. وستجد أن المؤلفات والأبحاث التي خرجت من تحت أيدي هؤلاء تملأ المكتبات الجامعية والعامة، يرجع إليها الدارسون من أجل الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه والـ بوست دكتوراه، لتضاف رسائل أبحاثهم كمراجع جديدة في تلك المكتبات، في مشهد أشبه بالملهاة التي تهدف إلى إشغال العقول بأي شيء إلا الحقيقة.

وخلال كل تلك العقود من عمرها تمكنت المؤسسة الإسرائيلية من خداع الدنيا ببكائيات التاريخ وتزوير الروايات واستدرار العواطف، ووجدت لبكائياتها سندا ومددا من إمبراطوريات الشر الأوروبية ممثلة ببريطانيا وفرنسا أوّلًا، ثم الاتحاد السوفييتي وأمريكا الشمالية؛ تلك الامبراطوريات التي أخذت على عاتقها مهمتين مركزيتين: حماية المشروع الصهيوني والتمكين له وتقديم كل أنواع الدعم لثمرته الأولى- المؤسسة الإسرائيلية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية مارست كل وسائل “الإقناع” التي تعرفها قوى الاستعمار على أنظمة العار العربية، وصولا إلى “قيادات” فلسطينية عملت أوّلًا على فرضها على الشعب الفلسطيني دون الرجوع إليه ودون استشارته، وهي قيادات لم تمارس أيَّ فعل حقيقي للتحرير، ومن ثَمَّ جرّتها إلى مسرحية التنازلات المتتابعة التي أثمرت “أوسلو” وما بعد “أوسلو”….

ورغم كل ذلك، ورغم أن تلك “القيادات” الفلسطينية أقرّت للمشروع الصهيوني حقوقا، هو أكثر من يعلم أنها ليست لهُ، ورغم أنها قبلت بأقل القليل، إلا أن نهَمَ المشروع الصهيوني لم يتوقف ولم يضعف ولم يتراجع، بل ازداد وتفاقم حتى أصبح كالمرض الخطير الذي لا يبدو له علاج في أفق تلك الدُّمى التي صنعتها أيدي السحرة.

وإن المتتبع بعين الفطنة والبصيرة لكل ما جرى منذ اجتياح لبنان عام 1982، وصولا إلى أوسلو عام 1993، وما حدث بينهما وما حدث بعدهما، ولغاية اليوم، سوف يُذهل من لوحة البازل التي صَنع قطعها المركّبة ما يسمونه المجتمع الدولي والدول الكبرى و”أصدقاء” تلك الدول و “حلفاؤها” في منطقتنا العربية والإسلامية. فقد صُنعت اللوحة بإتقان عجيب جعلت قطاعا لا بأس به من الفلسطينيين والعرب والمسلمين يصدّقون الكذبة، إلى درجة أنهم مارسوا القمع والقهر والدجل وتزوير التاريخ وحرف المفاهيم الدينيّة دفاعا عنها.

وهذا ما سعت وتسعى إليه المؤسسة الإسرائيلية تنفيذًا لوصيّة هنري كيسنجر؛ وزير الخارجيّة الأمريكي الأسبق، لمناحيم بيجن رئيس حكومة المؤسسة الإسرائيلية الأسبق يوم قال له: “إنني أسلّمك أمة نائمة، أمةً تنام ولكن مشكلتها أنها لا تموت،ـ فاستثمر ما استطعت نومها، لأنها إن استيقظت استعادت في سنوات ما أُخذ منها في قرون”.

لقد قرأ كيسنجر الحالة قراءة صحيحة، فهل قرأها قادة المشروع الصهيوني قراءة صحيحة؟

الجواب: نعم، ولا.

“نعم”، لأنها نجحت حتى الآن في الحفاظ على أمتنا نائمة، تغطّ في سبات عميق. وما جولة التطبيع الحالية، واختراع “الديانة الإبراهيمية” إلا جزء من الجهد الصهيوني في تنفيذ وصيّة كيسنجر.

و “لا”، لأنها لم تقرأ وصيّة كيسنجر جيدا؛ قرأت نصفها الأول ولم تقرأ نصفها الثاني، وهو الأهم. فقد أدرك كيسنجر أن أمة الإسلام سوف تستيقظ ذات يوم، وحينئذ سوف تستعيد في سنوات ما أخذ منها في قرون. فأي أحمق هذا الذي يبني مستقبله على معركة نهايتها معروفة؟

لذلك فإن المؤسسة الإسرائيلية لديها مسألة واحدة لم تتغير منذ تأسيسها، رغم كل ما حظيت به من تطور عمراني واقتصادي وعسكري وعلمي، ورغم صولاتها وجولاتها على كافّة الصُّعد، ورغم نجاحها في استغلال نوم الأمة حتى الآن لصالح مشروعها، ورغم ما يبدو أنه ذروة ضعف الأمة وذروة انتفاش المشروع الصهيوني.  هذه المسألة هي عجزها التام عن تحقيق الأمن الجماعي والأمن الشخصي لمواطنيها، يرافق ذلك شعور بالرعب من أن الشقّ الثاني من “معادلة” كيسنجر قد يتحقق في أية لحظة. بل قد يتحقق في لحظة غير متوقعة، في لحظة تبدو فيه أمتنا أنها تُحتضَر. فأين المفرّ؟ وما العمل؟

عندما تتسلم زمام الأمور في المؤسسة الإسرائيلية حفنة من زعران الشوارع أمثال بن غفير وسموطرتش، فإن القضية تبقى مسألة وقت فقط إلى أن يقود هؤلاء شعبهم ودولتهم إلى وادٍ سحيق. فهؤلاء يظنّون أن نظرية “ما لا تنفع معه القوة سينفع معه المزيد من القوة” تصلح للتعامل مع الملف الفلسطيني. وهم يفعلون ذلك بغباء غير مسبوق. فهم لم يقرأوا ما مارسته حكوماتهم السابقة، ولم يستوعبوا النتائج الفاشلة لسياسات تلك الحكومات في التعامل مع هذا الملف.

إن الملجأ الوحيد الذي يمكن أن يحقق الأمن لهؤلاء القوم ليس له إلا سبيل واحد: أن يخرجوا نهائيا وإلى الأبد من حياة الشعب الفلسطيني. فهذا شعب ينشد الحرية. وما يسمى بالمجتمع الدولي يعلم علم اليقين، كما تعلم المؤسسة الإسرائيلية، أن ما يمارسه الشعب الفلسطيني سعيا إلى تحقيق حريته وانعتاقه من الاحتلال هو حق مشروع تقره كل الشرائع. كما يعلم المجتمع الدولي وتعلم المؤسسة الإسرائيلية أنه لم يسجل في التاريخ أن شعبا وقع تحت الاحتلال بقي مكتوف اليدين راضيًا راضخًا مطأطِئًا خانعًا ذليلًا، بل إن صفحات التاريخ مليئة بفصول صنعتها إرادات شعوب مقهورة حققت فيها ما تنشده من حريّة.

وإذا بقي في قيادات المشروع الصهيوني عاقل أو متدبّر أو قارئ جيد للتاريخ ولحركة التاريخ، فإن عليه أن ينصح قومه بقراءة وصيّة كيسنجر لبيغن قراءة صحيحة.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر