خلفيات الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي: السياسة، الدين والتديين في الحالة الإسرائيلية

موضوع الدين والدولة، أحد ال


  • الأحد 12 فبراير ,2023
خلفيات الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي: السياسة، الدين والتديين في الحالة الإسرائيلية
توضيحية

موضوع الدين والدولة، أحد المواضيع بالغة الحساسية في الفضاء العام في المجتمع الإسرائيلي على كل تنوعاته، حيث يتم التصادم بين أسس يهودية الدولة وديموقراطيتها، وتعتبر الانتخابات الأخيرة أحد تجليات هذا التصادم، كما يُنظَرُ إلى المظاهرات الأسبوعية على أنها جانب من جوانب هذا التصادم، حيث يتمُّ الصّراع على واجهة الدولة بين دعاة الحفاظ على “الوضع الراهن- الستاتوس كفوو” الذي تمَّ إرساؤه مع قيام الدولة والاتفاق بين بن غوريون والقيادات الدينية في تحديد فضاءات العلاقة بين اليهودية “كدين” والدولة كدولة علمانية ديموقراطية.

ثمة رهان على أن المجتمع الإسرائيلي دخل مرحلة التأزم السياسي والاستقطاب الأيديولوجي الذي سيفضي عاجلًا أم أجلًا إلى مواجهات قد تكون دامية. وتشكل المظاهرات الأسبوعية التي يقودها العديد من الأقطاب السياسيين والمفكرين والقانونيين ممن ليسوا بالضرورة من المحسوبين على يسار الخارطة السياسية أو الفكرية، تحديًا كبيرًا ليس للحكومة اليمينية التي يقودها نتنياهو بقدر ما هو تحد وتشظ يؤشر لمستقبل الدولة وصيرورتها السياسية والفكرية من حيث هي ديموقراطية تعددية أو ديموقراطية جمهورانية، ومن حيث العلاقة بين الدين والمجتمع من ناحية، والدين والدولة من ناحية أخرى. وقد بات واضحًا حجم تغلغل التيار الديني الصهيوني في مفاصل الدولة والذي يتحدث قادته بشكل صريح عن ضرورة فك العلاقة التي أرساها بن غوريون في العلاقة بين الدين والدولة.

في هذه المقالات، سأجتهد تبيان حجم الإشكال والخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي والموقف من قضايا الدين والتدين باعتبارهما رسمًا للعلاقة بين السياسة/ السياسي والدين/ التدين والأدوات الناظمة لهذه العلاقة بعدئذ نجح أقطاب التيار الديني في غزو المجتمع الإسرائيلي وإدخال الدين إلى الحيز العام. ويتضح من استطلاعات الرأي الراصدة لموضوع الدين والتدين في المجتمع الإسرائيلي، التقدم المستمر للدين في حيوات الناس حتى باتت أعداد كبيرة كما تشير الاستطلاعات من العلمانيين المعتزين بعلمانيتهم، يحافظون على السبت والأعياد وبعض المظاهر المبرزة لهوية اليهودية.

تآكل الوضع القائم وردود الأفعال..

عمليًا، شهد الوضع القائم الذي أقره بن غوريون والقيادات الدينية الحاريدية قبيل قيام إسرائيل ومع لحظات ميلادها الأولى، شهد تآكلًا مطلع عام 1980 واستمرت عملية التآكل عقدين كاملين، وقد بدأت عملية التآكل مع الأفواج المليونية من اليهود الروس الذين جاؤوا من الاتحاد السوفياتي أواسط الثمانينيات (1987) ووصلت ذروتها مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقد كان كلهم من العلمانيين ممن لا تربطهم أية صلة باليهودية دينًا. وتركت قضايا مثل الزواج الأرثوذكسي مقابل الزواج المدني وسماح المحاكم الإسرائيلية بالزواج المدني وإقراره، وفتح محلات الترفيه في السبت، والمطالبة بإعادة النظر في قضية تجنيد أبناء التيار الديني الحاسيدي والحاريدي، والتهويد غير الأرثوذكسي وإقراره من قبل تيارات دينية تقدمية …، ومثل هذه القضايا، وكلها طرحها ساسة علمانيون، تركت آثارها السريعة في المجتمع الإسرائيلي وكان عديد المفكرين والساسة من العلمانيين، قد طرحوا ماهيات العلاقة بين الدين والدولة، وفي مقدمتهم يوسف “موطي” لبيد والد يئير لبيد أحد غلاة العلمانيين والمعروف بمواقفه غير الدينية وحربه على تسلط وسلطة التيار الديني. ولبيد الوالد محسوب على التيار اليميني ويحمل افكارًا ليبرالية دعمت كافة طروحات رئيس المحكمة العليا أهارون باراك التي ترسخت، وتعمل حكومة نتنياهو حاليًا على إلغائها أو إحداث تغييرات جوهرية فيها، وقد كان للبيد الأب الدور الأساس في إلغاء وزارة الأديان. لذلك كانت ردود فعل التيار الديني على هذه التطورات كبيرة وتميزت بأنها منظمة ومراكمة للنتائج راهنت فيها قيادات التيار الديني على العمل الشعبي “العمل من أسفل”، وخلال هذه السنوات دخل على خط الدين والسياسة والدين والدولة، العديد من اللاعبين من مثل يهود الشتات وبالذات يهود الولايات المتحدة المنتسب معظمهم للتيار الديني التقدمي، التيار المحافظ، التيار الحاريديلي “الحاريدي الصهيوني”، التيار الحاريدي الحاسيدي، التيار الحاريدي الييتواني والحاريدية السفارادية، وكل هؤلاء أدلوا بدلائهم في ماهيات العلاقة بين الدين والسياسة والدين والدولة والدين والمجتمع، وكل هذه التيارات مجمعة على ضرورة دعوة اليهود إلى اليهودية.

في المجتمع الإسرائيلي، المتدينون على درجات مختلفة من التدين، وفيه علمانيون على درجات مختلفة من العلمنة تصل حد الاقتراب من التدين الصوري وتبتعد إلى درجة المفاصلة عن الدين والتدين وإظهار الالحاد، ويبرز ذلك بوضوح عند العديد من السياسيين والمفكرين والإعلاميين. ومنذ أن قامت إسرائيل كحالة كولونيالية إحلالية متأثرة فكرًا من النتشوية المتعلقة بعلاقة الدين والدولة المبنية (وفقا لنتشه يراهن على دور الدين في حفظ المجتمع وسلامته وأمانه رغم انتقاده للدين ومصدريته الإلهية وأن البديل عنه العلم، لكنه يقر بعدم إمكانية نفي الدين وإزاحته وإبعاده) وإلى هذه اللحظات ثمة ثلاثة تساؤلات ترهق الباحثين والمفكرين من اليهود على اختلاف درجات تدينهم وتعلمنهم، سؤال الدين والدولة والعلاقة بينهما، ويشتق منه يهودية الدولة وديموقراطيتها كما يشتق منه أي من اليهودية (الرؤى الدينية اليهودية المختلفة) ما يمكن تطبيقه في حالة تقديم اليهودية على الديموقراطية في سياق الرابطة السياسية، وسؤال تنظيم العلاقة بين المكونات الدينية المختلفة وعدم احتكار الشرح الديني والفتوى في تيار واحد- وهذا ما عملت عليه حكومة بينيت، وتعمل حكومة نتنياهو على إيقافه ومنع تقدمه- وذلك طمعًا بإيجاد أسلم الطرق لتأسيس مجتمع سوي، الالتزام بالدين وقيمه وما يشتق عنها من أخلاق وسلوكيات أو العلمانية وما يشتق عنها من قيم وأخلاق وسلوكيات وسؤال المزامنة (أي حضور الدين والعلمانية في ذات الوقت في نفس المكان ويتم ممارستهما في المجتمع مع ما فيهما من تناقضات وتقاطعات إن وجدت، ويعمل الليكود على تمثيل ذلك من خلال أعضائه، فرئيس الكنيست شاذ جنسيًا ومعظم أعضاء الكنيست من المحافظين ومنهم من له ميول إلى التيارات الدينية الحاريدية الصهيونية) بحيث ينظر إلى الدين والعلمانية على أنهما متأثران بعاملي الزمان والمكان وما يستجد من معاصرة بفعل العامل العلماني كونه المؤثر والحاكم في العالم الذي يتحكم بصناعة الأفكار ونُظُم الحياة.

الخلاف الحاضر وبقوة في المجتمع الإسرائيلي بعد تمظهر الصهيونية الدينية وتغلغلها في معظم مناشط الحياة، ليس موضوع الخالق ووجوده من عدمه، وإن كان هناك من لا يعتقد بوجوده أساسًا ويؤسس على ذلك سياسات وأخلاق ولا مسألة الوحي، بل في سؤال كيفية تجسير الهوة القائمة بين العلمانية والدين وما بينهما من صراعات باتت تتجلى في حالة الاستقطاب المجتمعي الذي يبدو أنه سيكون مستقبلًا من أهم معالم تفكك هذه الدولة.

 

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر