"معركة العلم الفلسطيني" والعودة إلى أصل الصراع

مقالات


  • السبت 14 يناير ,2023
"معركة العلم الفلسطيني" والعودة إلى أصل الصراع
علم فلسطين

أطلَّ علينا، مؤخرًا، وزير الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير، في قرار يُحرّم ويُجرّم رفع العلم الفلسطيني في “الأماكن العامة” بالقدس والداخل الفلسطيني، ليتصدر هذا القرار الأحداث المتلاحقة والمزدحمة التي تعصف بنا كفلسطينيين في هذه البلاد، مع العلم أن مشروع قانون “لمعاقبة رافعي العلم الفلسطيني بالداخل” يُتداول في أروقة الكنيست الإسرائيلي منذ عدة سنوات. ويلاحظ أنَّ إعادة “معركة العلم الفلسطيني” إلى واجهة الأحداث السياسية تكون دائمًا مبنية على قاعدة ردّة الفعل العنصرية العدائيّة الهستيرية الإسرائيلية التي تصبُّ في اتجاه عزلنا كفلسطينيين عن انتمائنا الفلسطيني والعربي الإسلامي.

ففي شهر آب 2018، تمَّت المصادقة في القراءة التمهيدية على مشروع قانون أعدّه النائب عن حزب الليكود “عنات باركو” لمعاقبة رافعي العلم الفلسطيني بالداخل خلال المظاهرات، وذلك على خلفية رفع الأعلام الفلسطينية خلال تظاهرة ضد قانون القومية وسط تل أبيب. وفي مطلع شهر حزيران 2022 صادقت الهيئة العامة للكنيست في قراءة تمهيدية، على نفس مشروع القانون مع إضافة منع رفع العلم الفلسطيني في مؤسسات تمولها الحكومة وبضمنها الجامعات، وذلك على خلفية رفع أعلام فلسطين في جامعتي تل أبيب وبن غوريون في بئر السبع في تظاهرتين نظمهما الطلاب العرب بمناسبة ذكرى النكبة، حتى أن رئيس الحكومة، آنذاك، نفتالي بينيت، صوَّت لصالح القانون ومعه نواب اليمين في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي!! وأخيرًا وليس آخرًا، على ما يبدو، جاء قرار الوزير “بن غفير” ردًّا على رفع الأعلام في حفل استقبال الأسير المحرر كريم يونس في وادي عارة.

إذن، وبحسب الحالة العدائيّة الهستيرية الإسرائيلية، فإن كل من يرفع العلم الفلسطيني في “الأماكن العامة” بالقدس والداخل الفلسطيني، يعدُّ “دعمًا لمنظمة إرهابية وتحريضًا ضد إسرائيل”. وهو قرار كما أسلفنا، يسعى إلى تقسيم الشعب الفلسطيني والحرب على رمز وحدته الوطنية (العلم الفلسطيني) لزرع الاختلاف والتباين بين أبنائه بحكم التوزع الجغرافي القسري الذي يعيشه معظم الشعب الفلسطيني. والسؤال: هل توقف أو سيتوقف الأمر عند هذا الحد؟ طبعًا لا، فهذا وزير الثقافة والرياضة، ميكي زوهار، في أول غزواته واطلالاته الإعلامية شنّ هجوما شرسًا على الرواية والثقافة الوطنية الفلسطينية وأعلن مباشرة الإجراءات ضد الأفلام والأعمال الثقافية التي لا تتناسب مع الرواية الإسرائيلية، على حد قوله.

يقودنا الحديث عن “معركة العلم الفلسطيني”- التي بإعادتها إلى واجهة الأحداث السياسية في البلاد- إلى النبش في السياق التاريخي لهذا العلم الذي بات يعتبر رمزًا للقضية الفلسطينية ومظلة جامعة لكافة أطياف الشعب الفلسطيني، يعبر عن ثورته وقضيته، ويجسد طموحه في استرداد حقه الوطني والتاريخي في أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وغير مقتصر على بقعة جغرافية دون أخرى. فإن هذا العلم الذي اتخذته الثورة الفلسطينية المعاصرة ومنظمة التحرير الفلسطينية شعارًا لها، يستمد ألوانه الأربعة (أسود وأبيض وأخضر وأحمر) من الحركة القومية العربية منذ بداية القرن العشرين التي اتخذت من هذه الألوان رمزًا للوحدة العربية التي علا نجمها بعد نجاح الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين بن علي الهاشمي، مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية، وهو أول من نادى باستقلال العرب عن حكم الخلافة العثمانية التي كانت تجسد الدائرة الإسلامية الكبرى في القارات الثلاث وفي داخلها الدائرة العربية.

غير أن الشريف حسين الذي كان يأمل من بريطانيا الاستعمارية التي وثق بها وحارب لأجلها الخلافة العثمانية، أن تمنحه الأجزاء العربية في قارة آسيا كلها مملكة مستقلة تحت حكمه، ليكون ملكًا على العرب، لكن بريطانيا الاستعمارية انقلبت على قائد الثورة العربية الكبرى ووضعته في المنفى وقضت على حلمه وعلى حلم كل من نادى بالوحدة العربية لتجتمع تحت العلم المربع الألوان، ومنذ تلك الفترة الزمنية التي مضى عليها أكثر من مئة عام، ما يزال عالمنا العربي تمزقه الصراعات الداخلية والانقسامات والاختراقات الخارجية الإقليمية والدولية، فلم تنجح أمتنا العربية أن تكون أمة عربية واحدة ولا ذات رسالة خالدة إلا بالشعارات.

وعودة على بدء، فإنه من المؤكد أن الأمور لن تتوقف عند حد قرار “بن غفير” الذي يُحرّم ويُجرّم فيه رفع العلم الفلسطيني في “الأماكن العامة” بالقدس والداخل الفلسطيني، وفقًا للحالة العدائيّة الهستيرية الإسرائيلية الطاغية والمهيمنة على السياسة الإسرائيلية. ولعل قرار منع رفع العلم الفلسطيني والقرارات الهستيرية الإسرائيلية الأخرى، لا تعيد إلى أذهاننا ووعينا فقط تاريخ الألوان الأربعة للعلم الفلسطيني الذي صار رمزًا للثورة الفلسطينية المعاصرة ولكفاح الشعب الفلسطيني وسعيه لتحرير بلاده، ولا إلى الحركة القومية العربية التي سعت لتحقيق رؤيتها بالوحدة العربية الكبرى والتي استمدت ألوان العلم الفلسطيني منها، بل من الممكن وغير المستبعد، خاصة عندما نمنع من رفع العلم الذي يذكرنا بوحدة الدائرة الفلسطينية ومن ثم الدائرة العربية، أن تعيدنا “معركة العلم الفلسطيني” إلى الدائرة الإسلامية الأكبر والأوسع وإلى جذور الصراع التي تمتد إلى أواخر القرن التاسع عشر وإلى ما قبل الثورة العربية وإلى ما قبل أن تتكون الألوان الأربعة في علم واحد، فعلى ما يبدو أن الأحداث الساخنة والمتلاحقة والقضايا الملتهبة التي تشهدها البلاد هي نذير في طريقها للعودة إلى جذور الصراع، لا سيّما وأن الحلول المطروحة لحل الصراع المتمثلة بـ “حل الدولتين” أو “حل الدولة الواحدة” ما هي إلا حلول مستحيلة تصطدم مع الرؤية الأيدلوجية الصهيونية المهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر