هل التحول اليميني الفاشي في إسرائيل ظاهرة عابرة؟

هناك من يعتقد فلسطينيًا وعر


  • الجمعة 30 ديسمبر ,2022
هل التحول اليميني الفاشي في إسرائيل ظاهرة عابرة؟
اليمين الإسرائيلي

هناك من يعتقد فلسطينيًا وعربيًا أن التحوّل اليميني المتطرف والفاشي في إسرائيل، هو مجرد ظاهرة عابرة أو مؤقتة، وتُبنى على أساس ذلك سياسات ومواقف، تقوم على التعاطي مع الحالة الإسرائيلية وكأنها طبيعية ستقوم بتعديل مسارها ذاتياً، والمسألة هي مسألة وقت، وعليه تتبنى التوجه بأنه بالإمكان التعاطي مع حكومة نتنياهو واعتبارها استمرارًا لنهج حكوماته السابقة ومستعدة أيضًا للتعاطي مع رموز الفاشية الصاعدة من الأحزاب الصهيونية الدينية.

هناك من يعتمد الجانب الكمّي في نظرته لنتائج الانتخابات الإسرائيلية والقائل بأن عدد الأصوات التي حصل عليها كل من ميرتس والتجمع الوطني الديمقراطي (أكثر من 300 ألف صوت) كان من شأنها أن تضمن فوز المعسكر المناوئ لنتنياهو أو على الأقل التعادل.

إن القراءات المعمقة والمعززة بالأرقام واستطلاعات الرأي تؤكد تحوّلا متدرّجا وتصاعدياً لليمين الديني المتطرف، خاصة في أوساط الأجيال الشابة، بعض التحليلات تقول إن التحولات التي بدأت في نهاية السبعينات نحو الليبرالية الجديدة وتصفية أساسات أيديولوجيا حزب العمل المؤسسة للدولة وعمادها الكيبوتس والموشاف والهستدروت، تم تصفيتها، كما وحاز المستوطنون بعد احتلال 1967 على حصّة متزايدة في طبقة النخبة في كل المستويات المدنية والأمنيّة. 

كما وثبت في العقود الثلاث الاخيرة بأنّ الاسرائيلي لم يعد يفتّش عن الجنرالات ليأتمنهم على السياسة بل بات يفتّش عن الرجل القوي

الصهيو- ديني الطلائعي على شاكلة سموطريش وبن غفير.

 في النقاشات الدائرة الآن ومنها الفلسطيني والعربي والإسرائيلي تدور حول سؤال جوهري قوامه، هل التحوّل اليميني المتطرف والفاشي، عابر ومؤقت،  أم هو مؤشر لتحوّلات عميقة ومستدامة، جانب من هذا النقاش مبني على أن إسرائيل كدولة حافظت على التوازنات بين السلطات وعلى الكوابح البنيوية في المنظومة الحاكمة ونجحت في ذلك سواء في العام.

1977 حين نجح الليكود لأول مرة بقيادة مناحم بيغن بإسقاط حكم حزب العمل وتولي رئاسة الحكومة وقد اعتمد الليكود شعار" أرض اسرائيل الكاملة " بينما كان أول حزب حاكم يتخذ قراراً بهدم المستوطنات في سيناء والانسحاب منها بعد التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد.

 كما أنها تجاوزت مرحلة حكومة شارون 2001 – 2006 والذي انصاع لمصالح الدولة العليا وليس إلى أيديولوجيته وشعاراته التي جاهر فيها لعقود طويلة، هناك من يعتبر أن هذه النماذج كفيلة بالتأكيد أن إسرائيل هي ذاتها، وأن القادة يُخضعون أهواءهم وعقيدتهم للواقع ولمصالح الدولة العليا أو كما عبر عن ذلك أرئيل شارون في تطرقه لخطة الانسحاب من قطاع غزة وهدم المستوطنات بقوله: ما نراه من هنا [الحكم] ليس هو ما نراه من هناك [المعارضة] وفي العام 2016 صدر كتاب; " ما نراه من هنا" لمؤلفه ارييه الداد وهو أحد أقطاب اليمين العقائدي ومنظري أرض إسرائيل الكبرى، وفيه استعرض التحولات التي طرأت على مواقف قادة الليكود واليمين حين تبوأوا موقع رئاسة الحكومة. 

في المقابل يوجد شبه إجماع اسرائيلي بأنّ ما كان هو ليس ما سيكون، وتأتي هذه القراءات من منظومات الدولة، وبالذات من الجيش والمؤسسة الامنية ومن المنظومة الاقتصادية وبالذات صناعات التقنية الحديثة "الهايتك" ومن الجهاز القضائي، كما ومن الأهمية بمكان الإشارة الى إنعام النظر في القراءة الامريكية الرسمية واليهود الامريكان. هذه القراءات ليست مجرد تحليلات بل فيها مؤشر لحالة القلق الكبير وبالامكان وصفه بالقلق الاستراتيجي، الذي قد تتورط فيه إسرائيل إقليمياً وبالذات في إسقاطاته على العلاقة مع الأردن ومصر وحتى مساعي نتنياهو لترسيخ الاتفاقات الإبراهيمية وتوسيعها والتطبيع مع المملكة العربية السعودية ضمن نوايا نتنياهو وحكومته بالإجهاز على قضية فلسطين. وجاء اجتماع قائد الأركان كوخافي بمبادرته مع نتنياهو نهاية الأسبوع الفائت، بمثابة ذروة في التعبير عن هذا القلق ومسعى لثني نتنياهو عن تطبيق الاتفاقات الائتلافية مع الصهيونية الدينية، لكونها حسب قراءة الجيش سوف تورّط اسرائيل حتى في انقسام بشأن وضعيّة الجيش ونهاية الإجماع حول أهم أجهزة الدولة وإخضاعه للمواقف السياسية الحزبية لا الأمن القومي. ويرى قائد الأركان بأن منح الحصانة القضائية للجنود ومنع تقديمهم للمحكمة الإسرائيلية يعني تعرض الجيش وقادته وجنوده إلى استدعاءات من جهة محكمة الجنايات الدولية، إذ تتطلب المحكمة الدولية قبل التوجه لها استنفاد الإجراءات أمام القضاء المحلي، بينما فرضت الصهيونية الدينية بندا في الائتلاف الحاكم يحول دون أي اجراء قضائي اسرائيلي محلي. كما أن تحويل صلاحيات الادارة المدنية من الجيش الى المستوى السياسي يعني الضم وعدم اعتبار الضفة الغربية مناطق محتلة  ولا "مناطق مدارة".

 بات الجهاز القضائي خارج الاجماع الاسرائيلي الداخلي ومستضعفاً وترى فيه حكومة نتنياهو الصهيو- دينية منظومة معادية ينبغي قلبها وتطويعها، وقد تم في العقد الأخير وبشكل متسارع إجراء تغييرات كبيرة في توازنات القوى داخل الجهاز القضائي وبالذات في تعيين القضاة وما نتج عنه من محكمة عليا مطواعة في القضايا الجوهرية وتشريعات الاحتلال وقانون القومية وطوارئ الكورونا ومنحها الصدقية القضائية لرقابة الدولة وسياسات الضبط، بالاضافة الى الأحكام غير المسبوقة التي انصاع فيها القضاء لجهاز الأمن العام في أحكامه تجاه شبان هبة الكرامة (أيار 2021) في المدن الساحلية وتوجيه  تهمة الارهاب في مئات الملفات التي تتعلق بأعمال الاحتجاج على سياسات الدولة والشرطة والاحتلال. كما وباتت السيطرة على قضاة المحاكم المركزية أكثر نفاداً وأوسع مدىً، وهؤلاء هم الأكثر احتمالية لاختيارهم مستقبلا قضاةً في المحكمة العليا.

 شكلت الرسالة الجماعية لرؤساء أكثر من مائة من كبريات صناعات الهايتك ناقوسَ خطرٍ إضافي وتحذيرًا من تعاظم دور حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات من اسرائيل، وأن "خلخلة الثقة بالجهاز القضائي وبالتالي بالديمقراطية الاسرائيلية، من شأنها ردع المستثمرين الذين شكّلوا المحرّك لصناعات "الهايتك"" . بالاضافة الى ذلك أعلنت العديد من خدمات المرافق العامة عن رفضها لتطبيق أيّ تشريعات أو سياسات تمييزية عنصرية وصدر موقف من بنك ديسكونت بامتناعه عن توفير الأرصدة لاية مؤسسة تتبنى سياسات تمييزية، وكذلك شركة التأمين AIG. بالإضافة الى تظاهرات رؤساء عدد من المستشفيات والخدمات الصحية ورسالتهم برفض أية ممارسة تمييزية تتناقض مع أخلاقيات المهنة.

 يمكن القول  إن هذه  الأصوات باتت تتصاعد ، تعلن على الملأ الاستعداد لتحدي حكومة نتنياهو الصهيونية الدينية وليس التعامل معها وكأن شيئا لم يحصل. مثل هذه الأصوات قد تتعزز في حال تشكلت حركة سياسية إسرائيلية مناهضة للحكومة وسياساتها وتشكّل حاضنة  لها، وفي حال تصاعد النضال النقابي بقيادة منظمة العمال العامة "الهستدروت" وقد تتراجع بناء على توازنات القوى وتصاعد اليمين الفاشي وهيمنته على الحكومة.

هنا تجدر الملاحظة أن نضالات فلسطينيي48 لا تندرج ضمن اعتبارات هذه المنظومات  والمرافق الاقتصادية والخدمية، إذ لا تريد أيّ منها أن تعطي انطباعا بأنها متماثلة مع هذا الجزء من الشعب ضحية هذه السياسات، بل باعتبارها دفاعا عن "قيم الدولة".

 لا يبدو في الأفق أنّ هناك إمكانية لصدام طويل الامد بين منظومة الدولة العميقة وبالذات الأمنية  والقضائية والاقتصادية (حيث تشكل الصناعات العسكرية جزءا هاما للغاية منها) وبين الحكومة، بل وبناءً على ما يظهر في الأفق القريب ، فإن التعبير عن القلق من الجهات المذكورة لا يعني صداما بينها وبين حكومة نتنياهو بل أن مبنى الدولة لا يتيح مثل هذا الصدام، فلا توجد أية استقلالية كيانية للجيش ليقوم بعمل مستقل عن القرار الحكومي، كما وباتت المنظومة القضائية تنظر في الالتماسات إجرائيا فقط وليس جوهريا على أساس مضمونها، وكان أول جهاز قد انصاع هو جهاز الشرطة التي سيخضع لقرارات بن غفير ذات الصبغة السياسية كما ينص الاتفاق الائتلافي للحكومة التي ستباشر عملها هذه الأيام.

الخلاصة :

الخطوات التمهيدية التشريعية والسياسية لإقامة ائتلاف نتنياهو الصهيو- ديني هي خطوات بنيوية عميقة تهيمن على الدولة بروح هذا الائتلاف الخطير، وسيكون من الصعوبة بمكان إعادة الأمور إلى توازناتها السابقة، كما أن التأييد الواسع جدًا وبالذات في أوساط الشباب والجنود للصهيونية الدينية، يؤشّر الى أن المستقبل يضمر المزيد من التصعيد والتحديات الخطيرة الفاشية الدموية العنصرية والعدوانية.

 المفارقة اللافتة، أن السعي المثابر والمنهجي لهدم البنية الليبرالية وبالذات الجهاز القضائي بهدف التخلص من الكوابح أمام الفاشية الصاعدة، لا يكترث أصحابها للمواقف الدولية ولا تشغلها المواقف العربية، بل يقع في مقدمة فكرها الديني موضوع أرض اسرائيل التوراتية الكاملة، وهذه بالذات فرصة لاستخدام الساحة الدولية والإقليمية العربية والفلسطينية لتشكيل ضغوطات غير مسبوقة على إسرائيل لثنيها عن سياساتها، ولمناهضة الاحتلال الذي لا يمكن التعامل معه كمسألة فلسطينية فحسب بل عربية وأبعاده إقليمية استراتيجية له تداعياتها الخطيرة على المنطقة برمتها .

 من الصعوبة بمكان التكهّن حاليا بمستقبل إسرائيل داخليا واستراتيجيا. لكن حالة الاستفاقة داخل  منظومات اسرائيلية ليبرالية وديمقراطية او أقل عنصرية من شأنها أن تضاعف قوتها إذا لاقت بيئة خارجية مواتية وداعمة. فتصاعد النضال الفلسطيني ضد الاحتلال وبالذات في الضفة الغربية وضد العنصرية الفاشية في فلسطين 48 سيجعل حكومة نتنياهو تخفق في مشروع تجاوز قضية فلسطين وفي الضم الفعلي وفي اعتماد مبدأ الوطن البديل في الأردن ونزع وصايته على المسجد الأقصى المبارك والمقدسات في القدس.

وفي حال تعاظم ضغط اليهود الأمريكيين والادارة الامريكية التي لا تضع علاقتها باسرائيل موضع جدل ، فإن ذلك سيشكل ضغطا على نتنياهو ورقابة على سياسات حكومته، بينما نرى فيها فرصة للنظام العربي للضغط على هذه الحكومة سعيا لتفكيكها وليس تطبيع تركيبتها.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر