يحاكموننا فرادًا ويستهدفوننا جماعياً


  • الاثنين 5 ديسمبر ,2022
يحاكموننا فرادًا ويستهدفوننا جماعياً
أدهم بشير والكاتب أمير مخول

أن تذهب لزيارة شابّ فلسطيني يُلزمه قانون إسرائيل ومحكمته بتسليم نفسه خلال أيام إلى معتقل الجلمة ليبدأ بتنفيذ الحكم عشر سنوات هو ليس مجرّد زيارة وإنما مشهد من فلسطين.

إنه الشاب العكي أدهم بشير، ابن الرابعة والعشرين، والمبعد عن عكا بقرار المحكمة منذ أكثر من عام بعد أن كان معتقلًا في سجن مجيدو لأربعة أشهر في أعقاب مواجهات عكا في هبّة الكرامة، "أفرجت" عنه المحكمة في حينه بشروط مقيّدة ومنها "الإبعاد" في لغة القانون المخفَّفة، والنفي في لغة الانسانية. الشرط الآخر كان هو الحبس المنزلي، أي الخروج من سجن لكن الابقاء على شروط السجن ووضعية السجين، ودون أن تحتسب هذه الفترة ضمن السنوات العشر. أضافوا إليها غرامة مالية باهظة.

العائلة كلها انتقلت من عكا إلى شفاعمرو لتكون إلى جانب ابنها ولتوفّر له ولذاتها الأجواء الأُسَريّة. ليصبح أدهم أسير القيد والأسرة أسيرة الحالة. ففي فلسطين يتقاطع مفهوما الأُسرة والأَسيرعلى جانبي جدار شفاف من القهر، فبات نفي المعتقل أدهم بمثابة نفي جماعي لعائلة وعقاب جماعي يعيشونه قسراً بما فيه من افتقار للمكان الأصلي، ومن لا يعرف عكا فللمدينة هويةُ مكانٍ وعبق الأزقّة والخانات والبحر.

اعتقلت الشرطة أدهم وحقق معه محققو الشاباك مطوّلاً وقاسياً، فقد واجه المحققين ومن ثمّ السجان وخلال الفترة واجه هو والعائلة اعتداءات عصابات الفاشية من المدينة وغيرها وبمبادرة حركة "إم ترتسو" التي بات حزبها عوتسما يهوديت حاكماً في الدولة، والذين انتظموا لحضور جلسات المحكمة ليتظاهروا بأنهم ضحايا ضحاياهم. الكثيرين منهم من العصابات الدموية التي هاجمت الوجود العربي في عكا.

إلا أن قسوة القسوة أتت من الجانب الذي يرتدي قناع التحضّر والنزاهة، من جانب قضاة المحكمة المركزية الذين أنزلوا حكما بالسجن عشر سنوات، لا علاقة لذلك بالبيّنات بل أساسا بالنوايا الحاكمة. ففي ديباجتها بات ضحايا الاعتداءات في عكا هم المجرمون بحقّ اليهود وبحقّ الدولة، وقام ذات الجهاز القضائي بتبرئة المجرمين الحقيقيين من أية مسؤولية بعد أن أسدلت الستار على ملفاتهم الدموية التي تتصدّر واجهة مسرح الجريمة. وفي ديباجتها أيضًا حكمت على أدهم وعلى مجمل الشباب الذين يواجهون محاكم القهر حاليًا، وكل من سوف يواجهها مستقبلًا. إنه حكم للمستقبل وليس فقط للراهن، إنهم يستهدفوننا جماعيّا حين يحاكموننا فرادًا.

في صباح يوم الثلاثاء السادس من كانون أول سيمثل أدهم عند بوابة معتقل الجلمة إلى الشرق من حيفا. كما هو دارج ستفصل قوات الأمن بينه وبين الناس التي تأتي لوداعه المؤقت، فالسجن مؤقت مهما طال، قد يتيحون للعائلة بمرافقته إلى البوابة الشاهقة والمهندسة كي تفرض سطوتها على كل من يدخلها. والجدران العالية كي تحجب الأفق وتجعل أحراش جبل الكرمل والتي لم يلوّثها المعتقل بعد، بمثابة أحراش غير مرئية وجبل يبعد كل البعد عن الرؤية حتى ولو كانت المسافة مجرد أمتار معدودة.

سوف يحمل كلٌّ من الأم والأب وأدهم والأسرة عبء الموقف، قد يؤجّلون العبرات وقد تنهمر بكل إنسانية، ومهما كان من عبرات، ستكون ابتسامة معنوية لأن أدهم هو من صنّاع الكرامة الوطنية والانسانية في هبّتها، ستختلط العزة بالألم وبالثمن الغالي، لكن التصالح مع الذات هو علامة فارقة في مواجهة الصعاب القاهرة. سوف يؤسس قضاة اسرائيل ديباجتهم لتبرير الأحكام القادمة ضد شباب هبّة الكرامة، لكن أدهم وزملاؤه قد أسّسوا في ايار 2021 لأنفسهم وللأجيال الصاعدة، لتجديد الإرادة التي لا بد ان تكون الكلمة الأخيرة من نصيبها.

قلبي مع أدهم بشير ومع الأهل والأسرة الكريمة، ومع أسرى هبّة الكرامة وصناع الكرامة اليوم وفي كل يوم

لنقف مع أدهم والأسرة لحظة بدأ محكوميته القاهرة

الحرية لأسرى وأسيرات الحرية

 

. . .
رابط مختصر

أخبار ذات صلة



مشاركة الخبر