2/11 شعبنا بين وعد بلفور ووعد منصور


  • الجمعة 4 نوفمبر ,2022
2/11 شعبنا بين وعد بلفور ووعد منصور
بلفور

مع بزوغ فجر أول أمس الأربعاء 2/11/2022 وقد ظهرت نتائج جولة انتخابات الكنيست الصهيوني، حيث تزامن هذا التاريخ والحدث مع ذكرى وعد بلفور 2/11/1917، فإنه وبغض النظر عن نتائج هذه الجولة الانتخابية وعدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب وقائمة، وعدد النواب في كل معسكر من المعسكرين المتنافسين نتنياهو من جهة ولبيد من جهة ثانية، فليس هذا ما أريد مناقشته في هذه المقالة، وإنما أريد المقارنة وأوجه الشبه بين وعد بلفور ووعد منصور.

– أمَّا وعد بلفور فهو الوعد الذي أطلقه ووقّع عليه “آرثر جيمس بلفور” وزير خارجية بريطانيا في رسالته التي وجهها إلى “اللورد روتشيلد” أحد أبرز قادة اليهود في إنجلترا معلنًا تعهد والتزام حكومة بريطانيا بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي على أرض فلسطين.

– وأمَّا وعد منصور فهو الوعد الذي أطلقه وصرّح به منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة بأنه في حال فوزه في هذه الانتخابات، فإنه سيكمل ما بدأ به النهج الجديد ولم يستكمله خلال وجوده في الائتلاف الحكومي شريكًا للبيد وبينت وليبرمان وساعر.

– لا أتردد بالقول إنَّ وعد منصور لا يقلّ خطورة عن وعد بلفور. صحيح أن بلفور هو وزير خارجية دولة بريطانيا العظمى، وأن منصور هو رئيس قائمة عربية في الكنيست الصهيوني، لكن الخلفية الفكرية والدينية التي جاء منها منصور تجعل لمواقفه إسقاطات خطيرة على قضية شعبنا الفلسطيني وعلى المشروع الإسلامي.

– وإذا كان بلفور قد وعد بإقامة دولة يهودية للشعب اليهودي على أرض فلسطين يوم 2/11/1917 رغم أن عدد اليهود يومها لم يكن يتجاوز 3-4% من مجموع السكان في أرض فلسطين، فإن منصور وانطلاقًا من 2/11/2022 فإنه سيمارس على أرض الواقع ما سبق وصرّح به بل ووعد به وهو الاعتراف بإسرائيل “دولة للشعب اليهودي قامت لتبقى”، هذا الوعد والتصريح الذي أطلقه خلال زيارته لبيت الراف دروكمان كبير حاخامات المستوطنين في أيار 2021.

– وإذا كانت بريطانيا قد نفّذت وعد بلفور وأقامت إسرائيل دولة للشعب اليهودي على حساب نكبة وتهجير شعبنا، وكان داڨيد بن غوريون هو أول رئيس وزراء لدولة الشعب اليهودي، فإن منصور عباس قد وعد والتزم وصوّت إلى جانب القرارات الحكومية التي أصدرها الائتلاف الحاكم المدعوم من منصور والتي تنص على إحياء ميراث بن غوريون وتخصيص ميزانيات كافية لإحياء هذا الميراث عند الشعب اليهودي، واستمرار دعم مشروع الدولة اليهودية التي وعد بها بلفور وكان بن غوريون أول رئيس وزراء لها.

إنجازات أم انتكاسات؟

لقد ركّزت حملة منصور الانتخابية بأنه وبالتصويت لحزبه وقائمته، فإنه ضمان تنفيذ ما وعد بتنفيذه والقيام به، وأنه سيكون أقرب للتأثير من داخل أي ائتلاف حكومي يتشكل بعد انتخابات الكنيست الصهيوني حتى لو كان المتطرف العنصري بن غفير أحد مركبات ذلك الائتلاف.

– إن وعد منصور بل إن إقراره الفعلي بيهودية الدولة، وأنها دولة الشعب اليهودي وما ترتب على ذلك من مواقف وسياسات لم تترك مجالًا للتفسير الظني في نوايا منصور ووعده، فشعبنا ووسائل الإعلام ومنبر الكنيست وأرشيف الائتلاف الحكومي حافلة ومزدحمة بما قام به منصور، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

إعلانه وإقراره أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي قامت لتبقى.

افتخاره أمام أعضاء حزب الليكود في الكنيست أنه هو من صوت لصالح إقرار ميزانية الأمن والجيش والأجهزة التي تقتل شعبنا وتنكل به.

تصويته لصالح قانون يعزز قوات مصلحة السجون بوحدات جيش وحرس حدود لتمكينها من إحكام قبضتها على أسرى أبناء شعبنا.

هو من دافع عن سفلة المستوطنين لما قال: ليس كل المستوطنين أشرارًا.

هو من انبرى معترضًا على تقرير منظمة “إمنستي” الذي وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، فوقف مدافعًا ورافضًا وصف إسرائيل بأنها دولة ابرتهايد حتى وإن كانت تمارس بعض السياسات العنصرية.

هو من أعلن أسفه وندمه على تصويت مسبق ضد اتفاقيات التطبيع “أبراهام” بين الإمارات وإسرائيل، وأعلن أن الأيام لو دارت لما فعلها. تلك الاتفاقية التي تنص على حق أي من الديانات من سلالة إبراهيم الصلاة في جبل الهيكل “المسجد الأقصى”، في إشارة واضحة لحق مزعوم لليهود في المسجد الأقصى المبارك.

هو من وصف وسمّى المسجد الأقصى بأنه جبل الهيكل، ووصف حائط البراق بأنه حائط المبكى.

هو من قال عن الأسرى الأبطال من أبناء شعبنا أنهم مخربون מחבלים.

هو من ترك وفد لجنة المتابعة خلال أحداث أيار 2021، خلال زيارة مدينة اللد حيث سقط الشهيد موسى حسونة، وأطلقت النيران على مسجد اللد بينما ذهب إلى كنيس في اللد مع رئيس بلديتها العنصري معلنًا استعداده لترميم الكنيس.

هو من قال عنه عضو الكنيست “شلومو فكنين” من حزب الليكود يوم 29/3/2021 إنَّ عباس لن يطالبنا بالتخلي عن القدس ولن يطالبنا بالسيادة على الأقصى لأنه ترك الأيديولوجيا جانبًا.

 

ماذا قالوا عن منصور

لأجل ذلك وغيرها كثير من تفاصيل وعد منصور، فقد غمره الإطراء والثناء من دهاقين المشروع الصهيوني وصل إلى حد:

– أن يقول هرتسوغ رئيس الدولة اليهودية في تصريح صحفي في صحيفة يوم 4/5/2022: “منصور عباس ظاهرة مباركة جاءت في الوقت المناسب”.

– أن يقول عضو الكنيست الليكودي “ميكي زوهر” خلال غزل ومباحثات تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2021: “لعله سيقال يومًا מנסור בן גוריון עבאס – منصور بين غوريون عباس”.

– أن يقول الصحفي والكاتب الإسرائيلي المعروف “بن كسبيت” في مقالة له في صحيفة “معاريف” أن منصور عباس يستحق الترشح لنيل جائزة نوبل، لأن ما قام به منصور يفوق ما قام به الرئيس المصري أنور السادات بزيارته لإسرائيل وإبرام اتفاقية سلام معها استحق بموجبها جائزة نوبل.

– وأن يقول البروفيسور “إيال فينطر” أستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية، في مقالة له في صحيفة هآرتس يوم 19/4/2022 بعنوان: “في الانتخابات القادمة سأصوت لحزب راعم-منصور عباس”، حيث قال بعد سرد طويل ومفصل لمواقف منصور: “أليس في كل هذا ما يكفي للتأكيد والاعتراف أن منصور عباس جيد لدولة إسرائيل”.

– وأن تقول الكاتبة الصحفية “رڨيت هيخت” في مقالة لها في صحيفة هآرتس يوم 17/6 2022 بعنوان: “اليهود يحبون عباس أما العرب؟!”، حيث قالت في مقالتها: “مع إقامة وتشكيل حكومة بينت لبيد بالمشاركة مع عباس، فقد صرّح مصدر كبير في الشاباك لي، امتحان منصور عباس سيكون عندما تقع أحداث في الأقصى أو في غزة، عندها سنرى هل هذه شراكة حقيقية أم لا”. وفعلًا فقد جاءت اقتحامات الأقصى في رمضان الأخير وانخرس منصور، وجاءت الحرب الدموية على غزة في شهر آب الأخير وصمت منصور صمت أهل القبور وقد نجح في الامتحان الذي تحدث عنه المسؤول في الشاباك.

– وأن يقول الكاتب الصحفي اليميني “بن درور يميني” في مقالة له في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 1/4/2022 بعنوان “صدقوا منصور عباس فأنا شخصيًا أصدقه” وراح يعدد مواقف منصور: “منصور يشجب الإرهاب، منصور ذهب متضامنًا مع الكنيس في اللد، منصور رفض وصف كل المستوطنين بالأشرار، منصور وصل إلى الذروة لمّا قال بأن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، منصور يقول مواقفه بالعربية وبالعبرية إلى أن قال أنا شخصيًا أصدق منصور فصدقوه”.

– وأن يقول الصحفي “رفيف دروكر” في صحيفة هآرتس يوم 9/5/2022 وكانت بعنوان: “من عباس وحتى عباس” وقال فيها: “منصور عباس يتضامن مع كنيس اللد، منصور عباس يقول إنَّ إسرائيل ليست دولة فصل عنصري، وحتى في قضية المسجد الأقصى فإن منصور قد قدم للحكومة سلم إنقاذ كبيرًا”.

– حتى أفيغدور ليبرمان الذي تصدّر المشهد العنصري الداعي للترانسفير والترحيل لفلسطينيي الداخل، فإن موقفه من منصور عباس أصبح إيجابيًا، بل وديًا كما يقول منصور نفسه في اللقاء الموسع معه في ملحق صحيفه يديعوت أحرونوت يوم 02/09/2022 حيث يقول: “حتى ليبرمان فإنه جرى عليه شيء، وما أثّر عليه هو زيارتي للكنيس في اللد حيث قال لي ليبرمان: في اللحظة التي رأيتك هناك وقع شيء في روعي، أن شيئًا ما يحدث، يستحق أن نعطيه الفرصة للنجاح، وأن ليبرمان التزم بكل وعوده كوزير للمالية”.

مشروع وليس اجتهادًا

ليس أنَّ منصور عباس قد شارك في انتخابات الكنيست الصهيوني هو وقائمته العربية الموحدة وحاضنتها الحركة الجنوبية، وليس أنه كان يفاوض نتنياهو للمشاركة في حكومته بعد انتخابات 2021 وسرعان ما تحولت المفاوضات مع خصميّ نتنياهو “لبيد-بينت” بعد إصرار بن غفير على عدم الدخول في حكومة مع نتنياهو تقوم على دعم حزب عربي هو حزب منصور عباس، ورغم توجه عباس لزيارة الراف دروكمان المرشد الروحي لابن غفير لمحاولة إقناعه أنه داعية سلام وأنه ليس متطرفًا، بل أقرّ وأعلن بقبوله بيهودية الدولة في مكتب الحاخام دروكمان وكل ذلك لم يشفع له عند دروكمان المعلم ولا عند التلميذ بن غفير.

وليس أن منصور قد دخل الائتلاف الحكومي برئاسة لبيد وبينت، وأنه كما قال مستعد للدخول في أي ائتلاف حكومي قادم، حتى لو كان فيه بن غفير، فهو أي منصور مستعد لتقبل الطرف الآخر والتعامل معه كما هو، كما صرَّح بذلك، فهو كما وصفه الصحفي الإسرائيلي في قناه 12 عميت سيجل: “מנסור עבאס פנוי להובלה” أي أنه مثل السيارة الفارغة جاهزة لتركيب وتحميل من يشاء بما يشاء. لا بل إنه راح يلمح تلميحًا ثم يصرح تصريحًا أنه مستعد ليكون ليس في أي ائتلاف يدعم حكومة، بل أن يكون جزءًا من الحكومة، حتى أنه يفضل أن يكون وزيرًا للإسكان أو التعليم أو الداخلية أو المواصلات كما صرح في مقابلة يوم 02/09/22 في ملحق صحيفة يديعوت أحرونوت.

وحتى لمن أحسنوا الظن بمنصور عباس وتوجهه بأنه اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، فقد قطع منصور الطريق على حسن ظن هؤلاء يوم قال: “אני לא ניסוי” أي أنا لست تجربة، أنا لست اجتهادًا. وإنما يقصد أن هذا هو مشروعه الذي يؤمن به وجاء لينفذه وأنه مستمر به حتى النهاية.

المشؤوم والمهزوم

لقد كتب المحللون كثيرًا عن وعد بلفور وإسقاطاته على الشعب الفلسطيني، لكن صاحبه أي بلفور، كان يعلم أن هذا الوعد سيتحقق وسيكون ذلك بعد 31 سنة، أي في العام 1948 حيث تم الإعلان عن إقامة إسرائيل على حساب شعبنا الفلسطيني ونكبته وتهجيره إلى أصقاع الأرض، أي أن بلفور كان يعلم أن ما قاله ليس مجرد وعد وإنما هو مشروع.

وكتب ويكتب المحللون والمراقبون عن وعد منصور وإسقاطاته على الشعب الفلسطيني، وأن وعده بالتأثير ليس فقط عبر المشاركة بانتخابات الكنيست الصهيوني بعباءة دينية إسلامية، وإنما عبر المشاركة في ائتلاف حكومي بل ولعله المشاركة بحكومة يكون فيها وزيرًا، حيث لم يفعلها من قبل إلا أزلام حزب العمل العرب ومن كانوا قد رضعوا حتى الفطام من حليب المشروع الصهيوني.

فيأتي وعد منصور بما قام به خلال سنة واحدة من المشاركة في الائتلاف الحاكم، ولعل صمته على تدنيس الأقصى والاقتحامات غير المسبوقة، ولعل انخراسه حين وقع الاعتداء الدموي على غزة ليرسم صورة المشهد الحقيقي الذي سيكون عليه منصور وسياسته وحقيقة وعده في قادم الأيام.

لن أتردد بالقول إنَّ مثل منصور قد ظهر في الأمة على مدار تاريخها، الكثير من الشخصيات الفقاعات التي سرعان ما يظهر أنها ليست إلا ظاهرة عابرة، وأنها فرقعة لا أكثر، وسيلفظ التاريخ أمثال هؤلاء ويجعلهم كلهم في قائمة واحدة، ولن يبقى في الوادي إلا حجارته وما سوى ذلك فإنه سيذهب جفاءً.

وإذا كان المؤرخون قد أصبحوا حين يكتبون عن وعد بلفور فإنهم يصفونه بالمشؤوم وفقًا لنتائجه وإسقاطاته على شعبنا الفلسطيني، فإن المؤرخين سيكتبون عن وعد منصور ويصفونه بالمهزوم وفقًا لنتائجه وإسقاطاته على شعبنا الفلسطيني. لا لوعد بلفور المشؤوم…ولا لوعد منصور المهزوم.

 

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر