الإضراب الجماعي عن الطعام: الحركة الأسيرة:"حلّ التنظيم" خطوة لتنظيم الاشباك"


  • الخميس 1 سبتمبر ,2022
الإضراب الجماعي عن الطعام: الحركة الأسيرة:"حلّ التنظيم" خطوة لتنظيم الاشباك"
الأسرى

عشية الشروع بالإضراب الجماعي عن الطعام في الأول من أيلول، أعلن الأسرى عن القرار بالبدء بإجراء حلّ التنظيم او بتسمية أخرى "حل الهيئات التنظيمية". قد لا تكون الخطوة مفهومة لدى الجمهور الواسع، وقد لا يدرك الكثيرون فحواها ومنطقها. إلا أنها مرحلة حاسمة في إعلان الاضراب، وفي الصدام المباشر واشتباك القوّة بالقوة – قوة إرادة الأسرى وقوة القمع الترهيبية لمصلحة سجون الاحتلال وبالأحرى لدولة الاحتلال بكامل منظوماتها. أنها خطوة تهديد فعلي وبجهوزية عالية صادر عن الحركة الاسيرة، وتعني أنه ليس هناك ما يوقف المسار سوى انصياع مصلحة السجون لمطالب الأسرى.

يشكّل حلّ التنظيم معركة سيادة بامتياز يبادر اليها الأسرى، وتتمثّل بفقدان السجون لجوهر أدوات السيطرة والضبط، فمن ناحية تشكّل الهيئات التنظيمية للأسرى إنجازاً تاريخياً للحركة الاسيرة، فهي أسلوب التنظيم القائم على نوع من الادارة الذاتية الكيانية لحياتهم الاعتقالية في الحالات "العادية"، وفيها ضبط من الاسرى لعلاقة السجون بهم على اساس جماعي منظّم. في حين ترى من منطلقاتها مصلحة السجون بهيئات الاسرى بمثابة منظومة "قابلة للضبط" وعند الحاجة للتفاوض وعنوان للتعاطي مع الأسرى، بدلا من التعامل الفردي مع كل أسير على حدة، وترى فيها مصلحة بتوفير قوى بشرية كبيرة من السجانين، لكنها وبالأساس ترى بها من ناحيتها أداة رقابة وضبط، وتتيح لها بأن تدير شؤون السجون بأقل الخسائر والتكلفة. هذه البنية سارية فقط فيما يخص اسرى الحرية الفلسطينيين.

إنّ "حلّ التنظيم" هو أقصى درجات التنظيم، فمكان هيئات الأسرى الدائمة تحلّ لجنة الطواريء الوطنيّة العليا المشرفة على الاضراب وعلى التفاوض وعلى انهائه حين ترى مناسباً، وهي هيئة تكون مركّبة من قادة الفصائل المشاركة بالاضراب وهي صاحبة القول الفصل. وإذ يدرك الأسرى أنه من أوائل خطوات مصلحة السجون والشاباك من ورائها، عزل اعضاء لجنة الطواريء العليا المعلنة، وتوزيعهم على زنازين العزل في سجون مختلفة منعا للتواصل والتأثير، واعتقاداً من استخبارات السجون بأنهم سيكسرون ال‘ضراب في أولى خطواته، تكون لجان ظل للطواريء متفق عليها وتعمل على ادارة الاضراب كما هو مخطط له، وفي حال تمّ عزل اعضائها تكون لجان اخرى، فلا فراغ قيادي في الاشتباك. والأهم في هذه التراتبية، هو رفض هذه اللجان ومعها جموع الاسرى المضربة لأي تفاوض مع مصلحة السجون بشأن الاضراب، ويكون الضغط باتجاه واحد ومكثّف وهو إلغاء عزل اعضاء لجنة الطواريء العليا والتفاض معهم كهيئة مخوّلة وليس أفراداً. إنه سور إرادات مُحكَمٌ يَبنيه الأسرى في وجه السجان، وعليه حين يتم تبليغ مصلحة السجون بقرار حلّ التنظيم فهذا يعني إشتباكا بجهوزية كفاحية قصوى، وفيها استعداد لدفع ثمن الاشتباك ولأن تكون إمكانية الإنكسار غير واردة. إنها حرب كرامة يعلنها الاسرى وسلاحهم الأمضى هو الإمعاء الخاوية والنفوس الطافحة بالمعنويّات.

من المتوقع أن يكون الاضراب المزمع قاسيا، كونه يأتي في سياق الموجات الارتدادية لنفق الحرية والذي يمر عليه عام كامل في هذه الايام، وبكونه لا يزال مفتوحا في رأس سجون الاحتلال ودولتها، وبكونه شكّل انتصارا فلسطينيا معنويا عظيما في زمن حسبت اسرائيل انها باتجاه القضاء على قضية فلسطين وعلى روح الشعب الحرّة ليعيدها الى نقطة البدايات التي لا تنفع فيها كل ترسانات العدوان، وبكونه يعلَن في أجواء معركة انتخابية اسرائيلية تصبح فيها العدوانية تجاه الفلسطينيين مادة أساسية في كسب الاصوات الصهيونية، كما أنه أساسا يعلن في ظل المشروع الاسرائيلي المتميز بتعميق الاحتلال والضم وترسيخ العنصرية البنيوية العدائية وكراهية الفلسطينيين والمس بهم، يضاف اليها حالة العداء القصوى لأسرى الحرية والتي يصنعها الساسة والنخب الاسرائيلية، ويقوم الاعلام الاسرائيلي بهدر دم الاسرى وبعد ان أصدرت محاكم الاحتلال بدورها أحكامها الظالمة ضمن منظومات صنع ومراكمة الانتقام والتفوّق العرقي، وهي ذاتها منظومات تبييض الاحتلال وجرائمه مهما كانت. عليه، فإنّ النهجُ الذي دعا اليه حصرياً كلٌّ من وزراء الامن الداخلي السابقين تساحي هنغبي وغلعاد أردان وأمير اوحانا، والذين دعوا جهارا الى "تكسير العظام" والى تدمير الحركة الاسيرة والى عدم التجاوب مع المطالب حتى ولو استشهد الأسرى، او بلغة الوزراء المذكورين "ليموتوا"، قد بات سياسة دولة وثقافة المجتمع الاسرائيلي العنصرية الانتقامية السائدة.

منذ العام 2017 وإضراب الكرامة الذي أعلنه الاسرى في حينه، وتحديدا منذ 2018 هناك سياسة واضحة المعالم مفادها العمل على القضاء على بنية الحركة الاسيرة، وتنطلق هذه السياسة الحكومية الرسمية من اعتبار ظروف حياة الاسرى الاعتقالية هي أفضل من اللازم، وباعتبار أن كل إنجاز حققته الحركة الاسيرة في تاريخها هو امتياز ينبغي إلغاؤه. بينما الأداة لإلغائه هي القمع المباشر وتعميق سياسة القهر المستدام.

يتميز المسعى الاستخباراتي الاسرائيلي الحالي فيما ذكر من تصعيد القمع، وعند الحاجة استخدام وحدات جيش الاحتلال في قمع الأسرى، والذين حسب عقيدتهم الحربية فإن "تصفية العدو" هي أداة مباحة ومتاحة. في حين ان الجديد هو السعي الحثيث الى قتل صورة الاسرى أمام شعبهم، وتشويه سمعتهم الاخلاقية التي بلغت ذروتها في نفق الحرية. إنه انتقام الاحتلال من صورة إخفاقه ومن نشوة فرح الحرية ومعانقة المستحيل التي استحوذت على قلوب شعب فلسطين وكل انصاره ونصيراته. لذك هناك حملة مكثّفة ومتسارعة الوتيرة يتقاسم الدور فيها المؤسسة الاعلامية والسياسية والأمنية في تشويه سمعة الأسرى أمام شعبهم أولا، وثانيا امام المجتمع الاسرائيلي وتصويرهم بأنهم جماعيا كما لو كانوا عصابة من المجرمين والمغتصبين، وأن مصلحة سجون الاحتلال هي ضحيتهم وبأن دولة الاحتلال هي ضحية ضحاياها، كل ذلك لتبرير أي إجراء قمعي، وهندسة استعداد شعبي اسرائيلي لقبول أي قمع دموي للاسرى بعد المشروع الاستخباراتي الاحتلالي الساعي الى "إزالة" اي طابع انساني عنهم وشيطنتهم. إنّ هذه الخطوات تندرج أيضا في السعي الثابت الى إفساد الحركة الأسيرة من الداخل، واستمالة البعض، حتى يكون "سوس الخشب منه وفيه". وهي لعبة استخباراتية مكشوفة سعيا لتشويه سمعة الاسرى ككل وخلخلة بنيتهم وتشتيت هويتهم الوطنية الكفاحية، وهو المسعى ذاته المُمارس تجاه كل شعب فلسطين. وهي بتقديري سياسة لن يُكتَب لها النفاد، فشعبنا دائما يفاجيء ولن يتيح لهم ذلك والأسرى هم أبناء وبنات هذا الشعب ومن روحه. كما وتعلم دولة الاحتلال أنّ أي قمع دموي للأسرى قد يتحوّل الى حدث استراتيجي وحتى مواجهة عسكرية وله اسقاطات سياسية وإقليمية، ولذلك فهي في ورطة مع ذهنيّتها الانتقامية. أما رسالة الأسرى فهي أن أي بطش دموي سيعزز تلاحم الأسرى وسيزيدهم قوة وصلابة. هكذا هي المعادلات داخل جدران القهر.

كان من اللافت بيانات صدرت عن الحركة الاسيرة لمخاطبة جماهير الشعب الفلسطيني في الايام الأخيرة قُبيل الاضراب، وتحضيراً لأجواء المواجهة الصعبة، ورسالة هذه البيانات للشعب هي بأنّ اضرابهم هو معركة الشعب، وهي معركة الحرية في الطريق الى حرية الشعب. كما تضمّنت طلبا بتقاسم المسؤولية، وتأكيدا بأن معركة الاسرى تُدار بالتزامن وبالتنسيق وبالتكامل من داخل السجون ومن خارجها. كما وأكدت كذلك رسالتها الإنسانية بأن لا تُترك ردود الفعل لعائلات الأسرى وذويهم المثقلين بعذابات القلق على الأبناء والجهود المضنية لزياراتهم المبتورة وسطوة انتظار الفرج. إنه نداء للشعب بأن يتحمّل مسؤولياته وأن يقوم بدوره.

يراهن الأسرى على دور فلسطينيي ال48، فإضافة الى كونهم قطاعاً حياً وناشطا من الشعب الفلسطيني، فإنهم الوحيدون الذين يمكنهم الوصول الى السجون والتظاهر أمامها والى المشافي في حال نقل الأسرى اليها كما في حالات الأسرى الاداريين المضربين عن الطعام وحاليا الاسير خليل عواودة، وهي ساحات ضرورية للأسرى، إذ يكفي أن يسمعوا صوتا من مكبرات الصوت يناصر اضرابهم، أو زامور سيارة متواصل  وهي تشقّ طريقها على الشارع الرئيسي المحاذي للسجن، فالأسرى يعرفون هذه اللغة من التحية ليردّوا عليها بالمزيد من الإرادة والحب والصمود.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر