نحن خارج اللعبة.. خارج الحسابات قراءة في المشهد الانتخابي الإسرائيلي

نحن خارج اللعبة.. خارج الحسابات قراءة في المشهد الانتخابي الإسرائيلي
الانتخابات الإسرائيلية

 1- في حساباتها الانتخابية، وفي سياساتها العامة وأجنداتها السياسية، لا تأخذ الأحزاب الصهيونية فلسطينيي الداخل في الحسبان إلا كمخزن أصوات تحصد منها أكبر عدد ممكن، وما سوى ذلك فإننا نبقى- كما كنا دائمًا – خارج اللعبة السياسية الإسرائيلية، وخارج حسابات تلك الأحزاب، لأننا في أصل الحكاية خارج أجندة المشروع الصهيوني إلا من جهتين؛ الأولى: كوننا قضية أمنية يجب التعامل معها بأدوات أمنية وبخطط أمنية، والثانية: كوننا قضية ديمغرافيّة يجب التعامل معها بكل طريقة تحُول بيننا وبين أن نشكل مصدر قلق مستقبلي للمشروع الصهيوني الساعي إلى فرض استمرارية الأغلبية العددية في فلسطين التاريخية. وما سوى ذلك مجرد أوهام وسراب.

يمكنك أن تكون في الكنيست… وحتى نائبا لرئيسها.. نعم! ولكن دون أن يكون لك أي تأثير، لا من الداخل ولا من الخارج، لا في ائتلاف ولا في معارضة! هنا أنت لست أكثر من قطعة خزف باهتة تزيّن واجهة المشروع الصهيوني المشوّهة ووجهه القبيح.

يمكنك أن تطالب بالحقوق؛ اليومية والقومية والوطنية… نعم، ولكن دون أن تصل إلى اليوم الذي تتحقق فيه هذه المطالب. تستطيع أن تصرخ على مدار الساعة، باللغة التي تريد، عربية أو عبرية أو سنسكريتية، وستجد إعلاما (عبريًا وعربيًا) يسوّقك ويقدمك لجمهورك بصورة البطل الذي يقف على منصة الكنيست و”يتصدى” للعنصريين والفاشيين… فهذه حدودك الأخيرة ودائرتك الوحيدة التي يمكنك أن تلعب داخلها.

أيها “البطل”… أنت جزء من لوحتهم… أنت جزء من لعبتهم. أنت مجرّد دمية دونكيشوتية على مسرح دمى لستَ أنت من يحرّك خيوطها..

2- بلا مبادئ، بلا مواقف، بلا برامج… هذه هي حقيقة المشهد الانتخابي الإسرائيلي. فما يهمّ الأحزاب هو البقاء في الكنيست من خلال حصد أكبر عدد من الأصوات في عملية خداع كبرى للجمهور الذي يقع في كل مرة في ذات الفخ، دون أن يتنبّه أنه هو الضحية الوحيدة في هذه اللعبة، وأنه الوحيد الذي يدفع الثمن دون مقابل.

3- لننظر إلى التحالفات القادمة لدى الأحزاب الصهيونية استعدادا لانتخابات تشرين الثاني. أنت كفلسطيني من مجتمع الداخل، في أي مكان ستكون في حسابات هذه الأحزاب؟ ألا ترى أن “أعداء” الأمس أصبحوا “أصدقاء” اليوم، و”أصدقاء الأمس” أصبحوا ” أعداء اليوم؟ ألا ترى أنك أنت الوحيد الذي لم يتغير الموقف منه؟ ألا ترى أنك من أعداء الأمس واليوم والغد؟ في لعبتهم كل شيء مباح على مذبح السياسة الإسرائيلية… لذلك لا يمكن الثقة ليس بوعود الأحزاب في الانتخابات وحسب، وإنما على الإطلاق.

4- من نماذج سخافة لعبة الانتخابات الإسرائيلية قضية “الصراع” على ضم الجنرال آيزنقوط، رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال. كلٌّ يريده في قائمته الانتخابية. لماذا؟ ليس لأنه لم تلد النساء مثله، وليس لأنه قائد سياسي فذّ، بل لكونه بمثابة الضوء الجاذب للفَراش. مجرّد وسيلة لكسب الأصوات، لأن عقلية الإسرائيلي بُنيت على تقديس العسكريين، حتى لو كانوا فشلة لم يحققوا شيئا على المستوى العسكري. لذلك سيكون آيزنقوط صائدا آليا للأصوات من قطيع الحمقى. ثم لا يهمّ بعد ذلك أن يتبين للجميع أنه سياسي فاشل كما كان عسكريا فاشلا. ولن تجد من يعترض… فجعبة أساطنة السياسة الإسرائيلية مليئة بأمثاله من الجنرالات.

5- وخذ على سبيل المثال الجنرال بيني غانتس، الذي تقلّب على كل وجه، وتنقل من حليف إلى آخر ونام في كلّ فراش ليضمن بقاءه داخل اللعبة. ولنتذكر أنه شق تحالفه (في كحول لفان) مع شريكه لبيد، وارتمى في أحضان نتنياهو، ثم تركه وانتقل إلى حكومة بينيت- لبيد، وها هو يتحالف مع جدعون ساعر بعد أن تبين لهما أن مستقبلهما السياسي على كف عفريت. أتذكرون أول “طلعة” لهما في أول انتخابات خاضاها؟ كانا يمثلان خطرا حقيقيا على معسكر نتنياهو.. فإذا بهما كالبالون الفارغ.. ثم ها هما يصرّحان الآن: لن نجلس مع نتنياهو. وهذا أيضا نوع من الدعاية الانتخابية. وحقيقة الأمر أنهما لا يقرران إذا ما كانا سيجلسان مع نتنياهو أم لا. نتائج الانتخابات هي التي ستقرر. وأظن أنهما لن يجلسا مع نتنياهو، بل سيجلسان تحت قدميه. من أجل البقاء كل شيء مباح… وسيكون المبرّر أن مصلحة الدولة أهم من المواقع والمواقف!! والقطيع سيغفر ويسامح وينسى.

6- وماذا عنّا نحن؟ ماذا عن أحزابنا؟ هل الأمر مختلف؟ كلا… إطلاقا!! إنه ذات المشهد، ولا حاجة لتكرار ما قلناه أعلاه. يمكنك فقط أن تستبدل الأسماء العبرية بأسماء عربية.

7- يُحكى أن حزب التجمع قرر فضّ الشراكة مع الجبهة والحزب الشيوعي، مكتفيا بشراكته مع “غانتس العرب”  أحمد طيبي (العربية للتغيير). هنا تستطيع أن تضع ختم “انتهاء الصلاحية” للمشتركة ولإرادة الشعب وللصوت المقرّر وللكرامة الوطنية وقائمة الأضاليل التي لا نهاية لها. هذه شراكة انتهى عمرها الافتراضي بعد أن ثبت فشلها، وبدأ البحث المراثوني عن تشكيلات جديدة تضمن للجميع البقاء في حضن “الأخ الأكبر”… في عش الدبابير. فالخروج من هناك يعني بالتأكيد نهاية القصة.

وهل ستبقى الجبهة وحيدة في ساحة المعركة؟؟؟ لا…! لن تبقى وحيدة ولا تستطيع أن تبقى وحيدة، فمجرد التفكير أو الحديث عن خوض الانتخابات في قائمة مستقلة يعني انتحارا سياسيا ربما سيؤدي إلى خروج الجبهة والحزب من اللعبة لأول مرة في تاريخهما، وهذا ما لا يمكن أن يتخيله قادتها. لذلك لا يمكن أن تخاطر الجبهة (ذات التجربة في إدارة خيوط اللعبة) في خطوة كهذه. لهذا ستبذل كلّ جهد من أجل استمرار المشتركة بصورتها الحالية، حتى لو اضطرت إلى تقديم تنازلات كانت بالنسبة لها خطا أحمر، لكن يبدو حاليا أن هذا لن يتحقق، لأن التجمع اتخذ قراره لأنه يرى أن الثمن الذي دفعه حتى الآن كان كبيرا، حين رضي بترتيبات القائمة السابقة على مضض، لذلك ستضطر الجبهة للبحث عن شركاء آخرين تضمن بواسطتهم بقاءها. ولا تستغرب ولا ترفع حاجبيك اندهاشا إذا ما “غفرت” للموحدة كل خطاياها و “حطّت زيتها على طحينها”. ولا تستبعد أن تتحالف مع حزب صهيوني مثل ميرتس على سبيل المثال. ففي ملعب السياسة الإسرائيلية كل شيء وارد، كل شيء مباح. ولا تستغرب كذلك أن تسارع الموحدة إلى قبول أي عرض من الجبهة أو من غير الجبهة “لرأب الصدع” ودفن “ترسبات” السنة الأخيرة في حفرة عميقة. فوضع الموحدة بعد كل النتائج الكارثية التي جرّتها على نفسها وعلى جمهورها “كُبّة”… وإذا كانت قد خاطرت وخاضت تجربة القائمة المستقلة في الانتخابات السابقة ونجحت، فإنها لا تستطيع أن تخاطر بتكرار التجربة. فاتجاه الريح ليس في صالحها، حتى داخل صفوفها. في ملعب السياسة الإسرائيلية لا مكان للمبادئ. إنها لعبة اسمها لعبة الكراسي.

8- خلاصة القول إنه بالنسبة لنا لا يهم من سيكون رئيس الحكومة، ذلك أن مشكلتنا ليست مع الأشخاص والوجوه التي تتصدر المشهد. وفي حالتنا لا فرق بين نتنياهو وبنيت ولبيد وغانتس وساعر وبن غفير وشموطرتس ودرعي وشاكيد وهوروفتس وميخائيلي، كما لم يكن هناك فرق بين رابين وشامير وبيغن وكهانا وبيرس وسريد وبيلين وشولاميت ألوني. مشكلتنا مع النهج.. مع المشروع. والنهج الذي يحدد سياسة أية حكومة قادمة هو ذات النهج الذي حدد نهج كل الحكومات السابقة منذ سبعة عقود. إنها أهداف المشروع الصهيوني. فلا كتلة مانعة نفعتنا، ولا مشاركة في ائتلاف قدمت لمجتمعنا وشعبنا فائدة، ولا تعيين وزير عربي أو نائب وزير قدم لنا شيئا يذكر، لا في حكومة “يسار” ولا في حكومة “وسط” ولا في حكومة “تغيير”.. حتى لو طفقت كل الأحزاب العربية تطنطن وتدندن وتعزف وتغرد وتتغزل في جمالها حتى الثمالة.

9- خلاصة الخلاصة: لو كان باستطاعة بينيت- لبيد تشكيل حكومة دون ابتلاع شفرة الموحدة لما ترددا للحظة. غير أن الرغبة في البقاء هي التي قررت وحسمت. معنى ذلك أنكم أيتها الدُّمى كنتم هناك من أجلهم لا من أجلكم. أنتم كنتم دمية ولم تكونوا بيضة قبّان. هل استخلصتم العبرة؟ هل كان هذا الدرس كافيا لكم؟ لا… سوف تكررون المشهد… إلا في حالة واحدة: إذا قرر جمهور مجتمع الداخل تلقينكم درسا من خلال مقاطعة الانتخابات.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر