أبرتهايد أبرتهايد...وين راحت الصهيونية؟؟

هناك إفراط في استخدام خطاب الأبرتهايد أو نظام الفصل العنصري المستوحى من جنوب أفريقيا


  • الجمعة 24 يونيو ,2022
أبرتهايد أبرتهايد...وين راحت الصهيونية؟؟
أبرتهايد

هناك إفراط في استخدام خطاب الأبرتهايد أو نظام الفصل العنصري المستوحى من جنوب أفريقيا، وذلك في السعي الصادق في أساسه لإدانة إسرائيل وجوهرها أو ممارساتها كلٌّ حسب استخدامه ورؤيته. 

التكرار غير المحدود وغير المتأنّي لهذا المفهوم يؤدي إلى تآكل مفعوله، بدلاً من الاجتهاد في كشف جوهر الصهيونية وقراءة إسرائيل والتحوّلات العميقة والخطيرة الحاصلة في هذا الصدد.

لا بأس من الاستعانة بخطاب الأبرتهايد سعياً لمحاصرة المؤسسة الصهيونية الحاكمة ودولتها وطرح مسألة الشرعيّة، وفي المقابل نصرةً لفلسطين وشعبها، إلّا أنّ حَصْرَ الخطاب في ترديد مفهوم الابرتهايد لا يفي الواقع الفلسطيني حقّه وفيه تخفيف عن واقع اسرائيل دولة النكبة وطرد شعب فلسطين واحتلال الوطن وتهويده وسياسات التطهير العرقي والهدم وتخريب المجتمع وقونَنَة ذلك ضمن منظومتها القانونية والقضائية، كما من شأنه التخفيف عن جوهر حاضنة اسرائيل أي المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، فيه تخفيف عن الصهيونية كعقيدة ومشروع والتي حظيت بقرار إدانة من المنظومة الدولية في القرار الأممي رقم 3379 من العام 1975 والقاضي بإدانتها وباعتبارها "شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري" واعتمد قرار دول عدم الانحياز في حينه "بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميّين"  والطلب من جميع البلدان "مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الامبريالية".

 كما واعتمد القرار "إعلانَ المكسيك" الصادر عن المؤتمر الدولي لعام المرأة العالمي، والذي جاء فيه أنّ "التعاون والسلم الدوليّين يتطلّبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري (أبارتهايد)، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير". 

في العام 1991 وفي سياق مؤتمر مدريد وعشية محادثات أوسلو التي كانت سريّة آنذاك، صوّتت الجمعية العمومية على إلغاء القرار 3379، وذلك بموافقة فلسطينية بقيادة ياسر عرفات ومنظمة التحرير، إلا أنّه لا يجوز حصر الاجتهاد الشعبي حيث فرضت موازين القوة نفسها، بل دور الثقافة السياسية تحرير الوعي العام من هذه الموازين والإبداع في ذلك.

في لقاءاتنا في المحافل الشعبية العالمية وبالذات في مؤتمر ديربان 2001، وخلال جولاتهم في فلسطين، كان زملاؤنا المناضلون من جنوب إفريقيا المنتصرون على نظام الابرتهايد، يؤكدون أن وصف إسرائيل بالابرتهايد، والذي كنا نردده كثيرًا، لا يفي لوصف ممارساتها الاجرامية تجاه الشعب الفلسطيني، فالمشروع الصهيوني يتضمن أوجه لا يتضمّنها حتى نظام الابرتهايد في جنوب إفريقيا. 

كما كانوا يؤكدون على المصير المشترك لأن شعبهم لاقى الويلات من الدعم الاسرائيلي لنظام الفصل العنصري وممارساته، وكان لافتاً في المقابل تصريح نيلسون مانديلا بأنّ حريته تكتمل حين تتحرر فلسطين.

يوجد قولٌ بأنّ إسرائيل احتلال في الضفة الغربية والقدس أبرتهايد في داخل الخط الأخضر، وقول آخر بأنّها قائمة على الفصل العنصري في كل فلسطين، أو أنّ إعمالَ الولاية القانونيّة على المستوطنين في المناطق المحتلة في العام 1967 هو قانون أبرتهايد،  إلا أنّ اسرائيل هي المسؤولة عن كل ممارساتها وجوهرها معًا وفي كلّ جغرافية فلسطين وتشتيت شعبها، فما يشغل الشعب الفلسطيني هو ليس إذا كان القانون فصلاً عنصرياً أم لا، وليس الهدف هو التحرر من القانون فحسب، بل من الاحتلال بمجمله.

هنالك حاجة لإعادة الاعتبار لخطاب الصهيونية وخطاب الاستعمار وتفكيك الاستعمار، والتحوّلات الجارية في هذا المضمار، كما الأمر بالنسبة إلى جوهر الدولة الاستعماري الاستيطاني القائم على النكبة والطرد الجماعي والنهب والتهويد. 

ففي مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان التحرر من النظام وإسقاطه ومنظومته والتحوّل إلى نظام ديمقراطي، ولو طبّقنا هذا المطلب على فلسطين، فهل يحلّ مسألة اللاجئين وحقهم بالعودة، وهل يعيد الأملاك المصادرة والمنهوبة لأصحابها، وهل تنتفي إسقاطات مشاريع التهويد، وهل ينهي الاحتلال وقوانينه..الخ. 

لا أُقلّل من هذه الاعتبارات بتاتاً ولا من قيمة النضال الضروري من أجلها أو في سياقها، لكن هناك ضرورة لتشخيص وتوصيف الحالة كما هي، دون اعتماد النمطيّة بديلاً.

من الممكن الاستعانة بخطاب الابرتهايد لو تم استخدامه كعامل مساعد لا أكثر في مقارعة الصهيونية ومشروعها الاستعماري الاستيطاني التاريخي في فلسطين والذي لا يمكن له أَلّا يكون عنصريّاً، في حين ان جدل الشرعية ونزع الشرعية لا يتحسّن اذ تخلّينا عن خطاب الصهيونية وتفكيك الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وقلنا ابرتهايد، فلا يسعفنا لا داخلياً ولا عالمياً.

هناك تيار المركز الاسرائيلي والمنبثق من تيار العمل الصهيوني التاريخي والقائل بضرورة عدم ضم المناطق المحتلة عام 1967 إلى إسرائيل خوفًا من تحوّلها إلى نظام فصل عنصري، وهناك قوى داخل هذا التيار تدعو إلى حل الدولتين لتجاوز المعضلة الديمغرافية، وهو تيار لا يقرّ بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كمبدأ، ولا يعترف بمسؤولية دولته عن النكبة واسقاطاتها ولا بحق العودة ومناصر لضم القدس وغير ذلك. إنه ليس حليفاً ولا شريكاً، ولا يمكن التعويل عليه ولا على خوفه وقلقه على الطابع اليهودي الصهيوني لاسرائيل. لكن محاججته هو ايضاً تكشف عن قصور خطاب الابرتهايد مقابل خطاب مناهضة الصهيونية ومشروعها الاستعماري الاستيطاني العنصري في فلسطين بعد أن نَكَبَتْها.

في غياب التفكير الاستراتيجي الجماعي التشاركي، وسهولة تلقّف مفهوم الابرتهايد واسقاطه على فلسطين كما هو، نوعٌ من الإعفاء للصهيونيّة من جوانبَ جوهريّةٍ في مشروعها، ومن شأن هذا ان ينعكس في البعد الرؤيوي للكفاح العام وبالذات في محدودية الإسهام النوعي المتوخّى من الشرائح السياسية المثقفة. مثل هذا النقاش ليس محصوراً في فلسطينيي48 بل بكل شرائح ومجموعات شعبها أينما تواجدت. ولو فتح باب النقاش حول طبيعة الصهيونية واسرائيل لساعد في بلورة تصورات مستقبلية رؤيوية للمشروع التحرري، وتكون منبثقة من حقيقة ما جرى ويجري في فلسطين.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر