مسجد بئر السبع..مبنى تاريخي عثماني شكّل منارة للثوار الفلسطينيين خلال ثورة 1936

يُعتبر مسجد بئر السبع الذي تنوي بلدية بئر السبع إقامة مهرجان غنائي فيه خلال شهرين حزيران وتموز 2022 مسجدًا تاريخيًا يعود للفترة العثمانية، وعُرف في فترة الثلاثينيات -قبل النكبة- كمركزًا لاجتماعات قيادات فلسطينية من جنوب فلسطين فيه إلى جانب كونه مسجدًا للصلاة.
وبُني مسجد بئر السبع خلال فترة بناء مرافق مدينة بئر السبع في الفترة العثمانية، حيث يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بئر السبع منصور النصاصرة إن الأدلة التاريخية تُشير إلى أن المسجد بني ما بين عامي 1904 و1906، وأمر ببنائه والي مدينة يافا آصف بيك الدمشقي.
ويلفت النصاصرة في حديث للجرمق إلى أنه تم تخطيط المسجد بشكل بانورامي على شكل المساجد المقامة في اسطنبول وكمساجد يافا والقدس، إذ يُحافظ المسجد على عمارته حتى اليوم، مشيرًا إلى أن حجارته جُلبت من مدينة الخلصة في جنوب فلسطين.
وبُني مسجد بئر السبع على أراضٍ امتلكتها العشائر البدوية الفلسطينية، وتحديدًا عشيرة العزازمة، حيث لعب أهالي المدينة والعشائر البدوية دورًا هامًا في بناء المسجد والذي تحولت أرضه لوقف بعد ذلك.
ويقول النصاصرة في حديث للجرمق، "ما نعرفه نحن كباحثين من الأرشيف البريطاني والأرشيفات العثمانية أن المسجد لعب دورًا هامًا في رمزية الإسلام في المنطقة الجنوبية من فلسطين وخدم سكان قضاء الجنوب وأقيمت فيه الصلوات منذ بنائه واستمرت خلال الفترة البريطانية".
دور المسجد في ثورة الـ36
ويتابع نصاصرة أن المسجد كان له دورًا هامًا خلال ثورة 1936-1939 حيث شكل منارة للثوار الفلسطينيين في الإضراب العام وكانت تصدر منه الخطابات السياسية أيام الثورة، كما أنه شكل مركزًا للقاء القادة المختلفين من عسقلان وغزة والفالوجة والخليل والقدس الذي عقدوا اجتماعاتهم في باحاته.
ويؤكد على أن المسجد لم يفقد خلال الفترة البريطانية دوره كمسجد، وإنما كان إلى جانب ذلك يُستخدم كمركز هام لصدور القرارات خلال ثورة الـ36 خاصة أنه كان يقع بجانب مبنى السرايا العثمانية ومبنى بلدية بئر السبع في حينه.
ويقول النصاصرة، "آخر من رفع الآذان في مسجد بئر السبع قبل النكبة هو الحاج خالد بسيسو خطيب ومؤذن المسجد وتوفي قبل عام بحسب الأخبار في مدينة غزة التي هُجّر إليها عام النكبة.
إغلاق المسجد
وبعد النكبة، حوّلت السلطات الإسرائيلية المسجد إلى متحف للدراسات الشرقية وأغلقته أمام المصلين ومنعت الصلاة فيه، حتى صدر قرار من محكمة العدل العليا الإسرائيلية بإغلاقه كمتحف خلال العقد الأخير.
ويقول الباحث منصور النصاصرة إنه يُعرض في المسجد الآن العديد من اللوحات الفنية التي تعود لثقافات لدول أخرى ولكنه لا يعرض ثقافة المجتمع الفلسطيني أو تاريخ المسجد.
ويتابع أن مسجد بئر السبع ليس المسجد الوحيد الذي تحول لمتحف وإنما حولت السلطات الإسرائيلية العديد من مساجد فلسطين لمتاحف وأغلقتها أمام المصلين ومنها مسجد مدينة صفد ومسجد الظاهر عمر الزيداني في طبريا ومسجد قرية زكريا القريبة من بئر السبع ومسجد عسقلان.
ويُشير النصاصرة إلى أن العشائر البدوية والحركة الإسلامية الشمالية خاضوا حراك شعبي خلال العقد الأخير لترميم مقبرة بئر السبع والمسجد ونظموا الوقفات لفتح المسجد أمام المصلين ثم جاء قرار من محكمة العدل العليا الإسرائيلية عام 2014 لإغلاق المسجد رسميًا.
ويتابع أن المهرجانات الغنائية التي تنظمها بلدية بئر السبع ازدادت وتيرتها في العقد الأخير، ومن بينها مهرجان شهد محاولة لإدخال النبيذ إلى حيز المسجد ولكن القائمين عليه تراجعوا بعد معارضة كبيرة من سكان المدينة.
ويؤكد للجرمق على أن أهالي مدينة بئر السبع هم أكثر من يجب أن يطالب بفتح المسجد، حيث يبلغ عددهم حوالي 10 آلاف مسلم، كما أن هناك حوالي 50 ألف نسمة يدخلون المدينة كل يوم ويحتاجون لمسجد لأداء الصلاة فيه.
ويُشير إلى أن المطالبة يجب أن تتسع أكثر إلى المطالبة بإلغاء تحويل المسجد لمتاحف ويجب أن يتشكل حراك شعبي يضغط على البلدية للعدول عن قرارها وفتح المسجد أمام المصلين.
مدينة بئر السبع..
ويقول النصاصرة في حديث للجرمق، "عند الحديث عن بناء المسجد نحن نتحدث أيضًا عن بناء مدينة بئر السبع العربية كاملة والتي تعتبر بوابة جنوب فلسطين وبلاد الشام وتم تخطيطها ما بين عامي 1900 حتى 1917 في الفترة العثمانية".
ويلفت إلى أن مدينة بئر السبع شملت إلى جانب المسجد العديد من المرافق التي بناها العثمانيين خلال فترة الحكم التركي مثل مبنى السرايا وترمز للفترة العثمانية في جنوب فلسطين ومبنى بلدية بئر السبع المحاذي لحيز المسجد حيث تم إدارة المدينة من خلال مبنى البلدية على يد رئيس السلطة المحلية الذي كان من إحدى العشائر ثم تعاقب على إدارتها رؤساء سلطات محلية ورؤساء بلديات لهم أصول من غزة والخليل ومن القدس.
ويتابع للجرمق، "من أدار مدينة بئر السبع خلال الفترة العثمانية هم أبناء العشائر البدوية حيث شغل حماد باشا الصوفي عام 1913 منصب رئاسة بلدية بئر السبع ولاحقًا كان هناك رؤساء بلديات فلسطينيون لهم أصول من مدن أخرى كتاج الدين شعث الذي له جذور من مدينة غزة ومشتهى مصطفى من الخليل وهذا نموذج مدينة فلسطينية نادر لم نراه في المدن الفلسطينية الأخرى".
ويتابع أنه إلى جانب مبنى السرايا والبلدية هناك المدرسة الأميرية التي مازالت قائمة حتى الآن في البلدة القديمة وغالبية الطلاب الذين تخرجوا منها درسوا لاحًقا في مدرسة السلطان عبدالحميد الثاني في اسطنبول إذ سافروا عن طريق القطار.
وبالإضافة إلى هذه المباني، هناك محطة قطار بئر السبع العثمانية المكتوب عليها حتى اليوم بئر السبع بالعربية وافتتحت عام 1915 وربطت بئر السبع بباقي الإمبراطورية العثمانية مثل يافا والقدس ومصر…
وخلال هذه الفترة بُني في بئر السبع أيضًا مئات البيوت ما بين عام 1900 و 1915، حيث يقول نصاصرة، "مدينة بئر السبع مدينة مخططة منذ الفترة العثمانية وخططها مهندسون ألمان ومهندسون فلسطينيون من مدينة القدس".
ويتابع النصاصرة في حديث للجرمق أن مرافق المدينة وشوارعها وحدائقها سميت بأسماء عربية على اسم أهالي المدينة كحدائق البرتقال ودوار جمال باشا وشارع غزة وشارع بسيسو.
كما أنها ضمت سكان من مدن الخليل والقدس وسكان من غزة والمجدل وأسدود والعشائر البدوية التي امتلكت الأرض وجمعت جميع أطياف الشعب الفلسطينية في مدينة واحدة وخاصة طبقة الحرفيين والتجار..
مرافق أخرى
ضمت مدينة بئر السبع خلال الفترة العثمانية أيضًا السوق العربي البدوي الذي أسسه العثمانيون ومطحنة القمح ومحطات توليد الكهرباء وبيت الوالي العثماني وبيت عارف العارف قائم مقام بئر السبع ومنازل أهالي المدينة الذين هجروا منها خلال النكبة.