غيداء ريناوي

إما مشروع نهضة وطنيّة وإماّ إنتكاسة وطنيّة

  تشهد المرحلة الراهنة على وجه التحديد انتكاسةً خطيرةً للغاية في هيبة العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل، والهيب


  • الثلاثاء 24 مايو ,2022
إما مشروع نهضة وطنيّة وإماّ إنتكاسة وطنيّة
غيداء زعبي

 

تشهد المرحلة الراهنة على وجه التحديد انتكاسةً خطيرةً للغاية في هيبة العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل، والهيبة هي شأن مهم لأن الوزن المعنوي للسلوك السياسي هو مركّب ضروري وأساسي في المواجهة مع دولة تسعى بكل منظوماتها إلى تخريب وعينا والى هدم ما راكمته جماهير شعبنا من إنجازات في طريقها الكفاحي على مدار سبعة عقود ونصف، وإلى إعادة هندسة "العربي الجيد" والمَرْضيّ عنه صهيونياً، بحلّة تلائم العام 2022. كل ذلك لخدمة مخططات هذه الدولة العدائية تجاه شعب فلسطين.


لا أمتلك العصا السحرية، كما ولا يمتلكها احد، بل تمتلكها فقط جماهير الشعب مجتمعة وقد أعادت الاعتبار لإرادتها الكفاحية، وكي تتمكن من ذلك، فإنّ الطريق ليس سهلاً لكنه ممكن، وهو بالأساس حراكي تنظيمي وخارج فقاعات العالم الافتراضي الفيسبوك التي باتت مساحات واسعة منها تشكّل منصّة للاحباط ووضع كل القوى السياسية في خانة واحدة. وقد شاهدنا أصوات وطنية تهلل لخطوة ريناوي زعبي في أيامها الاولى ولا تراجع موقفها بعد أن انكشفت فجاجة اللعبة لمن لم يرِد ان يراها منذ بدايتها. 


لو كانت الحالة الوطنية مشرقة، ما كان من المعقول أن تنشغل جماهير شعبنا بقرار عضوة كنيست عربية فلسطينية في حزب ميرتس الصهيوني بأن تخرج عن ائتلاف بنيت الصهيوني، ثم تتراجع كما كان متوقعا منذ لحظة إعلانها الاولى. وليس مفروغاً ضمناً أن يمتلك الائتلاف الصهيوني الحكومي وحلفاؤه العرب الفلسطينيين السهولة في تجنيد رؤساء بلديات وسلطات محلية عربية ينتفضون لحماية الائتلاف الاسرائيلي الحاكم. إننا بصدد مشهد تبخيس وضعيتنا كفلسطينيين وتيخيس أخلاقيات السياسة المتوخاه من جماهير شعب تواجه منظومة عنصرية استعمارية تهويدية الأكثر عدوانية. 


لقد باتت الحركة الوطنية بمجمل تياراتها مهدَّدة، وفي وضع حرج وخطير، وتتحمل تياراتها الرئيسية وبالذات المعنية بالعمل البرلماني،  مسؤولية جوهرية عن التدهور الحاصل، لكن لا مكان لليأس، بل الحاجة حقيقية إلى تحرّك للإنقاذ الوطني. ومهما كانت الانتقادات على الاحزاب والحركات الوطنية وحصريًا على القائمة المشتركة ونوابها صحيحة وجديرة وضرورية، إلا اننا لم نصل إلى وضع نساوي فيه بين التيارات الوطنية وبين من اختار طريق الاندماج ضمن الائتلاف الصهيوني الحاكم وعلى هامشه. فمن الغبن أن نساوي بين من تواجدوا مع اهالي الشيخ جراح في معركة الصمود وبين من غابوا ولم يواجهوا ائتلافهم الحاكم، وبين أو بين من وقف مع الأقصى وبين من قام بلعبة "تجميد" عضويته في الائتلاف ليتراجع عنها بسرعة البرق، بينما الزحف الصهيوني الاحتلالي على الأقصى يتصاعد بوتيرة غير مسبوقة، أو بين من شارك في مسيرة الشهيدة شيرين أبو عاقلة وساند الأهل والشعب وواجه الراي العام الاسرائيلي العنصري الدموي، وبين من اعتبر استشهادها "وفاتها المؤسفة"، والقائمة طويلة ولا تنتهي. فليس الأمران سيّين.


للأسف فإن التيارات الوطنية المركزية لا تتعامل مع المأزق بجدية كافية، وقد نكون بلغنا حالة بأنها لم تعد قادرة على مراجعة ذاتها، أو أن تكون مرجعية. تستطيع التيارات الوطنية الممثلة في الكنيست أن تسلك طريق النعامة وتغطّ رأسها في الرمل، سعيا الى توخّي ركود العاصفة وهدوئها، لكنها اذا فعلت ذلك فسوف تستفيق وقد فات الأوان، لتجد أن التطورات قد تجاوزتها وقد تكون أقرب الى الانتحار السياسي. ليس المطلوب من القائمة المشتركة ان تجاري القائمة الموحدة وعرب الحزبين الصهيونيين ميرتس وحزب العمل في نهجهم، فالجميع يدرك وتعي أن أي انجاز حققته جماهير الشعب الفلسطيني في تاريخها لم يحصل إلا بقدر ما ناضلت من أجله ميدانيا وشعبياً. وإن أرادت المشتركة ان تكون متميزة، فالتميّز السياسي الاخلاقي والمعنوي هو الاساس. وبقدر ما تكون قوية شعبيا وايضا برلمانيا فإن تأثيرها يزداد وليس بقدر قربها للائتلاف الصهيوني الحاكم، لا لرئيس حكومتهم ولا للرئيس البديل ولا لرئيس المعارضة. في المقابل فإن التيارات المناهضة للعمل البرلماني تعيش أزمتها هي الأخرى، ولا تطرح بدورها اي مشروع حقيقي وتنفيذي يفيد باتجاه إحداث نهضة وطنية والتخلص من المأزق المسيطر على مجمل الثقافة السياسية في الداخل حصرا والفلسطينية بوجه عام، حتى ما كان ذات يوم من مساع واجتهادات لاعادة بناء لجنة المتابعة والانتخاب المباشر وتعريف العلاقة مع حركة شعبنا للتحرر الوطني قد صمتت.


والى الذين يلوّحون بفزّاعة عودة نتنياهو للحكم ولتحالفه مع الحزب الفاشي عوتسما يهوديت برئاسة بن غفير، فأولاً بن غفير لا يخيف شعبنا، بل أن بنيت ولبيد وغانتس ونتنياهو جميعهم أقوى منه وأكثر عدوانية منه واكثر خطورة منه. ثم ان عودة الليكود للحكم لا يمكن ان تكون من خلال بن غفير، بل تحتاج الى مركبات في الائتلاف الاسرائيلي الحاكم اليوم بمن فيهم الموحّدة واحزاب "اليسار" الصهيوني وعربها. فتعود الينا حكمة العرب القديمة "ومن يهُن يسهل الهوانُ عليه.." ومن يدخل هذا الائتلاف الصهيوني يسهل عليه الانضمام الى ائتلاف صهيوني اخر أيّاً كان.


باعتقادي ان المطلوب وطنيّاً اليوم هو بخطوط عريضة:
مشروع انقاذ وطني حقيقي ومتفق عليه بين القوى المعنية بالعمل البرلماني وغير المعنية وعدم اقتصار ذلك على الاحزاب والحركات السياسية المنظّمة، بل ومن معظم الاجتهادات والحراكات المعنية. ولو استنهضت القوى الوطنية حالتها وبلورت مشروعا نهضويا فسوف تتوفر الشروط لأن لا يكون اي نائب عربي في حزب صهيوني، وأن لا ينضم اي حزب عربي الى أي ائتلاف صهيوني حاكم. وفي حال توفرت شروط لقيام حركات جديدة لتدفع بهذا الاتجاه، فليكن!
الكرة في ملعب القوى الوطنية المنظمة وغير المنظمة، وفقط في ملعبها.

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر