النقب..اعترافٌ شكلي ومخططات تهجيير

يعيش أهالي النقب على مساحة أراضي لا تتعدى 5% من مساحة النقب الكلية التي تُشكل حوالي 60% من مساحة فلسطين، إذ تسعى المؤسسة الإسرائيلية للاستيلاء على المساحة الصغيرة المتبقية للفلسطينيين في النقب عبر تنفيذ مخططات تهجير دائمة لتركيز السكان تحت مسميات مختلفة منها "المدن الحضرية".
ويسكن غالبية البدو في النقب بقرى مسلوبة الاعتراف إذ لا تعترف الحكومات الإسرائيلية بها وبأحقية سكانها على البناء والتوسع وإقامة المشاريع، حيث يسكن النقباويون في 45 قرية مسلوبة الاعتراف، وذلك بعدما تقلص عددها عندما تم الاعتراف بـ 11 قرية اعترافًا شكليًا في أعوام 2009 و2010.
الاعتراف الشكلي
ويُطلق على التجمعات البدوية الصغيرة اسم قرى مسلوبة الاعتراف والتي يبلغ عدد سكانها 120 ألف فلسطينيي، حيث يقول مرّكز لجنة التوجيه العليا لعرب النقب إن هذه القرى هي مجمعات محددة يعيش فيها السكان ويربون المواشي والأغنام وهي الحياة الطبيعية الأصلية لسكان النقب البدو.
ويتابع في حديثٍ للجرمق أن فيه الأعوام الممتدة ما بين 2009 و2012 تم الاعتراف بـ 11 قرية اعترافًا شكليًا ليقل عدد القرى مسلوبة الاعتراف إلى ما يقارب 40 إلى 45 قرية بدوية، مشيرًا إلى أن هذه القرى الـ11 لا يوجد فيها تراخيص حتى الآن ولا يحصل سكانها على الخدمات على الرغم من الاعتراف.
ويضيف أن الاعتراف قدم لهذه القرى فقط بعض الخدمات البسيطة هنا وهناك، وبعض المدارس والعيادات الطبية فقط، لافتًا إلى أن هذه القرى لم تسلم من الهدم بتاتًا رغم الاعتراف.
ويلفت للجرمق أن القرى المعترف بها شكليًا، يعيش سكانها في مبانٍ بالإمكان أن يطلق عليها "جيتوهات" حيث تقوم "إسرائيل" بخلق مكان للنوم فقط في هذه القرى، ولكنها لا تقوم بتنفيذ مشاريع قد ترتقي بحياة الفرد وإنما تعمل على تحويله لعامل بسيط في المستوطنات الإسرائيلية القريبة.
ويتابع زبارقة للجرمق أن مساحة الأراضي التي يعيش عليها سكان النقب هي 860 ألف دونم، تضم القرى مسلوبة الاعتراف والقرى المعترف بها أيضًا وهي لا تتعدى 5% من مساحة النقب، مضيفًا، "إن قمنا بتوزيع الأراضي المتبقية على الفلسطينيين في النقب للتطور، فيحصل كل شخصين على دونمٍ واحد".
ويُشير زبارقة إلى أن هناك 7 قرى قائمة في النقب معترف بها، أقامتها "إسرائيل" إبان النكبة ونقلت لها ما تبقى من فلسطينيي النقب بعد تهجير 100 نقباوي خارج النقب.
ويؤكد زبارقة على أن المؤسسة الإسرائيلية تُلاحق النقباوي حتى بعد الاعتراف بقريته، حيث تقوم باقتطاع 40% من الأراضي لصالح المؤسسات والشوارع القطاع العام وزج السكان في قرى كعلب السردين.
ويتابع زبارقة للجرمق أن هناك هاجسًا ديموغرافيًا لدى "إسرائيل" حول النقب، حيث أنها هجرت 100 ألف فلسطيني في النكبة وبقي 12 ألف حينها ليصبحوا الآن 300 ألف، في الوقت الذي لا يرغب فيه الإسرائيليون في العيش بالنقب.
قرى مسلوبة الاعتراف
ويقول جمعة الزبارقة إنه بعيدًا عن القرى التي تم الاعتراف شكليًا بها قبل حوالي 10 أعوام، فإن القرى مسلوبة الاعتراف لا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة، حيث تفتقر بعض القرى للعيادات الطبية، ويوجد فقط 4 عيادات في كل القرى ما يُضطر الأهالي للسفر من قرية لأخرى مسافة طويلة للعلاج.
ويتابع للجرمق أن الأطفال في القرى مسلوبة الاعتراف يعانون في السفر للقرى المعترف بها لتلقي التعليم الذي يعتبر إلزاميًا بعد أن استطاع أهالي النقب انتزاع قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بإقرار إلزامية التعليم.
ويضيف زبارقة للجرمق أن "إسرائيل" مجبرة بتأمين سفر الأطفال من القرى مسلوبة الاعتراف للقرى المعترف بها لتلقي التعليم حيث تقوم بدفع 165 مليون شيكل سنويًا لتغطية سفريات الأطفال.
ويقول، "ومع ذلك فإن 30% من الطلبة في القرى مسلوبة الاعتراف لا يتلقون التعليم كاملًا، حيث يتسرب عدد كبير منهم قبل إنهاء المرحلة الثانوية".
ويضيف أن الطلبة يُضطرون للسفر مسافات طويلة جدًا، للقرى المعترف بها، مع وجود الشوارع الترابية غير المعبدة، قائلًا، "الطلبة يصلون المدارس دون وجود طاقة وقدرة على تلقي أي معلومة".
مخططات "تطويرية" للتهجير
صادقت الحكومة الإسرائيلية عام 2019 على مخطط "رامات بيكاع" الذي يهدف إلى نقل مصانع للصناعات العسكرية المحفوفة بالمخاطر الأمنية والبيئية إلى المنطقة وإلى تخصيص مساحات كبيرة للتجارب العسكرية بما فيها تجارب بالأسلحة بحسب مركز عدالة.
وقال المركز حينها إن المخطط يهدف لتهجير أكثر من 1200 مبنى للسكان الفلسطينيين في البدو بالمنطقة، حيث يطال التهجير قرى قرى أبو قرينات، أم متنان ، وادي المشاش، وادي النعم، أبو تلول والصواوين، والواقعة ضمن مخطط بناء منطقة صناعات عسكرية في النقب، المسمى "المنطقة الصناعية رمات بيكاع".
ويقول جمعة زبارقة للجرمق إن هذا المشروع مقرر إقامته بالقرب من خط 25 حيث يستهدف 6 قرى بدوية، ومنها قرية وادي النعم التي سيتم تهجير سكانها إلى قرية شقيب السلام المعترف بها، مشيرًا إلى أن هذا المخطط يحد من تطور القرى في الشق الجنوبي ويمنع من توسعهم.
ويتابع للجرمق أن المخطط يعرض حياة السكان للخطر، كما يقول مركز عدالة إن المخطط يؤثر على صحة وسلامة الجسد وجودة البيئة، وكذلك يمس بأسس العدالة البيئية.
ويضيف المركز أن هذا المخطط يُضاف إلى مخططات أخرى يتم الدفع بها في النقب والتي تهدف عمليًا، تحت مسميات مثل التنمية والتطوير وخلق فرص عمل، إلى التضييق على القرى هناك، وتعريض سكانها لأخطار صحية كما وتهدد بهدم مبان كثير وابقاء سكانها بلا مسكن.
وفي السياق، يقول يوسف زيادين رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان إن مخطط "رامات بيكاع" يؤثر على حوالي 30 إلى 40 ألف فلسطيني يسكنون في المنطقة، مشيرًا إلى أن المخطط يؤثر على السكان حيث أن المتفجرات والإنبعاثات السامة تضر بصحتهم.
ويتابع للجرمق أنه يؤثر أيضًا على إمكانية توسع القرى المحيطة بالمشروع، ويحد من امتدادها الطبيعي جغرافيًا، كما أن المتفجرات قد تؤدي إلى تصدع المباني وانهيارها.
ومن جانبه، يقول جمعة زبارقة إن هناك مشاريع ومخططات تسعى "إسرائيل" لإقامتها بحجة أنها "تطويرية" حيث تسعى أيضًا لإقامة خط سكة حديد، يبدأ من "ديمونا" حتى تل عراد، ويستهدف قرى الفرعة والزعرورة التي يعيش في كلٍ منها ما يقارب 10 آلاف فلسطيني حيث يصبحون مهددين بالترحيل لتهجيرهم إلى قرية كسيفة أو بلدة جديدة تسعى "إسرائيل" لإقامتها وهي كسيف كي يعيش سكانها في علب "سردين".
ويتابع للجرمق أن هناك مخطط لإقامة منجم الفوسفات بالقرب من شارع 80 والذي يهدف لتهجير 14 ألف فلسطيني حيث يستهدف 4 قرى وهي الفرعة الزعرورة وعزة وقطمات بحسب مركز عدالة.
ومن جانبه، قال مركز عدالة في بيانٍ له إن الخطر الصحي من المشروع كبير لدرجة لا يمكن القبول بها، إذ يؤدي استنشاق المواد المنبعثة من عملية استخراج الفوسفات إلى مشاكل في القلب والرئتين والجهاز التنفسي.
ويضيف "يحد هذا المخطط خطط تطوير القرية وامتدادها المستقبلي، في ظل تعليق هذه المخططات منذ الاعتراف بالقرية "ألفرعة" قبل نحو 10 أعوام، إذ تتولى عليها المخططات الحكومية التي تمنع توسعها، مثل هذا المخطط ومخطط سكة حديد عراد".
وفي السياق، يختم جمعة وبارقة عبر الجرمق بأن جميع هذه المخططات تهدف لتركيز الفلسطينيين على مساحة أقل، في المقابل تقوم الحكومة بنهب الأراضي لإقامة قرى إسرائيلية جديد، حيث تهدف وزيرة الداخلية الإسرائيلية بمخططها الحالي لإقامة 12 مستوطنة إسرائيلية بمسطحات هائلة على أراضي النقب.